من دروس الهجرة

الحج تعبير عن العبودية المخلصة لله تبارك تعالى
17 يوليو, 2022
التربية الإسلامية
21 أغسطس, 2022

من دروس الهجرة

محمد الرابع الحسني الندوي

لقد كانت الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثًا عظيمًا في التاريخ الإسلامي، بل وفي التاريخ البشرى كله، فقد كانت عنوانًا لإنقاذ البشرية من تلك الضلالات والتفاهات التي كانت تتسكع فيها، والتي كانت فيها بمثابة البهائم السائمة في الأرض بحيث لا رادع لها ولا ضابط إلا الأهواء والأغراض، ولذلك عدّ عمل الهجرة في الإسلام أجل عمل، ولما فتحت مكة وانتهى عمل الهجرة منها أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية”( رواه البخاري، باب فضل الجهاد والسير، رقم: 2783) فالجهاد والنية الصالحة أصبحا ينوبان عن عمل الهجرة، فلقد انقطع عمل الهجرة الأولى شكليًا ولكن بقي معنويًا، ولقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم معاني تحمل روح الهجرة، فقد قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”( رواه البخاري، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده رقم: 10 ) فمن الهجرة منع النفس من رغباتها الحقيرة وأهواء النفس الضارة.

فنحن إذا فاتنا عمل الهجرة الشكلي فلا يفوتنا عمل الهجرة المعنوي من سلوكنا السيئ إلى السلوك الحسن المستقيم، وذاك بأن لا نؤذي عباد الله بسلوكنا المنحرف، وأن نترك ما ينهى الله ورسوله عنه، وأن نقوم بالجهاد، والجهاد قد يكون بالقتال ولكنه قد يكون بالتضحية بالراحة ورغبات النفس في سبيل الله، وبأن نجعل نيتنا نية صالحة صادقة.

هذا هو المنهج الذي يسعنا اتباعُه للوصول إلى السعادة الشبيهة بالسعادة التي كانت تحصل بعمل الهجرة الأولى، على كل فإن بدأ السنة الهجرية يذكرنا بل ويطلب منا أن نحاسب نفوسنا، هل تتفق أخلاقنا مع مدلول الهجرة، وهل تتصف حياتنا بصفات الهجرة، هل نحن مسالمون مع إخواننا المسلمين، أم بأسنا شديد بيننا وقلوبنا شتى.

إن أخلاقنا أصبحت كأخلاق الآخرين، نجري وراء الأغراض المادية متخاصمين فيما بيننا، وإذا لم نستطع تسليط بأسنا على أخينا بالسلاح فنسلطه عليه باللسان والقلم، فهل هذه أخلاق من سلم المسلمون من لسانه ويده.

أما هجرنا لما نهى الله ورسوله عنه، فحدث عن البحر ولا حرج، فما من سوء سلوك منهي من الله ورسوله إلا والمسلمون يرتعون فيه ويمرحون.

على كل فكلما ينتهي عام هجري ويبتدئ عام جديد يلفت نظرنا إلى عمل الهجرة الذي قام به المسلمون الأولون محافظين على قيمها وروحها وأخلاقها، ويلفت نظرنا إلى ضرورة أن نحاسب أنفسنا فيما قدمناه وأخرناه،وماذا أحرزناه، وماذا فقدناه في هذا المضمار.

×