رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم
26 يونيو, 2022من دروس الهجرة
2 أغسطس, 2022الحج تعبير عن العبودية المخلصة لله تبارك تعالى
محمد الرابع الحسني الندوي
لقد خلق الله تعالى الإنسان والجان حاملين للاختيار في أداء ما تقتضيه حياتهم على حسب ما تهواه نفوسهم،وذلك ليبتليهم هل يشكرون ربّهم على نعمه أو يتغافلون عن ذلك، ويتبعون أهواءهم؛ ليجزيهم الله في حياة الآخرة على المعصية بالعقاب،وعلى الطاعة بالثواب،وقرر لذلك أعمالاً يبتليهم بها ليرى من يتبع هواه ومن يطيع أوامر ربه،ليرى مدى التضحية التي يقوم بها المؤمن بربه،ومثاله في أداء الصلاة،قررالتوقيت لأدائها فإنه قد يصطدم توقيتها بموعد حاجة الرجل في دنياه، فهل يضحي بحاجته في الدنيا طالباً لرضا ربه في توقيته للصلاة أو يؤثر حاجته في الدنيا” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ “(الجمعة: 9-11)
ولكن مثول الإنسان أمام ربه في محفله القدسي الجليل ومحاطاً بملائكته الذين يحيطون حول عرشه، فهو أمر يحصل إظهاره للمؤمن ولو مرة واحدة في حياته،وذلك بقيامه بالحج إلى بيت الله العتيق،وهو أول بيت وضع للناس لعبادة ربه ببكة لقول الله تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً”(آل عمران: 96-97) فإن استطاع السفر إلى ذلك المكان المقدس الذي ينتمي إلى ربه كمنال لحظيرته القدسية فوق السماوات، فإنه يقوم بالسفر إلى ذلك المكان المقدس وعند ما يصل إليه يقوم بما يليق بهذا المكان المقدس من إظهار العبودية لربه، يطوف بالبيت الذي سماه الله تعالى بيته،ويمسك ببابه، ويتضرع إليه بالدعاء والمناجاة،فإنه بيت ربه رب العالمين مالك كل شيء، وهو الملك الأعظم والواحد الصمد الذي ليس له كفواً أحد.
فحج المؤمن إلى بيت الله المقدس يشتمل على الآداب وأحوال الشكر والامتنان والعبودية المخلصة، وطلب الحاجات التي لا يمنحها إلا الله رب العالمين، وإظهار ذلك يشتمل على أداء الصلوات في هذا البيت المقدس والطواف حوله والسعي بجواره، يتظاهر الحاج بهذه الأعمال التي قام بها أولاً خليل الله ونبيه العظيم سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته وابنه اسماعيل عليه السلام.
ولقد قرر الله تعالى في مشاعر الحج تضحية حيوان مألوف له ليتأسى بذلك بأسوة سيدنا إبراهيم عليه السلام في أدائه تضحية حبه لحياة ابنه الحبيب إيثاراً لأمر الله تعالى على حبه لابنه فيقوم الحاج بنحر الحيوان الذي يقدمه للنحر في المنحر كرمز للتضحية بشيء محبوب إلى نفسه طلباً لرضا ربه وتحقيقاً لكمال عبيدته له.