من وحي ما جرى أخيرًا بين إسرائيل وأهل غزة
8 يونيو, 2021الصراع النفسي والقلق الفكري في الشباب
29 سبتمبر, 2021ما أشبه الليلة بالبارحة!
صدرت صحيفة “الرائد” في العهد الذي كان الصراع فيه قائمًا بين قوتين متوازيتين في القوة والفكر، وهما المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي،وبعد تحرُّر الدول من القوى الاستعمارية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، نشأت قوة ثالثة للدول الضعيفة المضطهدة، وبوجود هذه القوى الثلاث كان العالم موزَّعًا على ثلاث معسكرات فكرية وسياسية، وكانت الأهداف المنشودة التي كانت تدعيها هذه المعسكرات الثلاث: تجنُّب الحروب، وتخفيف حدة التوتُّر، وحلّ المشاكل والأزمات بالجلوس على طاولة الحوار، وكان ذلك شعار مؤتمر باندونج الذي انعقد في 18/ إبريل 1955م في إندونيسيا بحضور وفود أفريقية وآسيوية، واتخذ فيه قرار التعايُش السلمي، وقد أشار إلى ذلك أستاذنا الكبير محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله تعالى، فننقل فيما يلي ما كتبه بتصرف يسير:.
” لقد شهد هذا العهد ثورات عسكرية في مختلف أنحاء العالم، كانت بيضاء في بعض المناطق، وحمراء في مناطق أخرى، وبدأ الصراع الفكري أو الأيديولوجي، وتأثرت الدول العربية خاصة من هذا الصراع الفكري، فقد تأثرت أولاً بالغزو الفكري الأوربي المسيحي الاستعماري، ثم بالغزو الاشتراكي الذي امتدَّ بعد انحياز مصر إلى الكتلة الاشتراكية إثر العدوان الثلاثي على مصر،فدخلت الاشتراكية في العالم العربي، فكانت وطأتها أشد من الحضارة الغربية التي غزته بعد الحرب العالمية، لأن الاشتراكية اعتبرت الدين، والقيم الخلقية، والشعور الإنساني ألدَّ أعدائها، فكانت النتيجة أن العلماء والدعاة والمصلحين كانوا في قفص الاتهام، ونال عدد كبير منهم عقوبة انتمائهم إلى الحق والإصلاح، وكان صوتهم مكبوتًا، وأفواههم ملجمة، وفي مثل هذه الظروف القاسية حاولت الصحف والمجلات التي تقول الحق في وجه الظالم، رفع قضية المظلومين أو نقل ما يحدث وراء الزنزانات إلى القراء، فكانت تعاملها الحكومات المستبدة معاملة قاسية فتصدر، ثم تحتجب.
شهدت الستينيات هذا الوضع المخيف للكبت والقمع والدعاية المزورة إلى حدّ الاستهانة بالقيم، والاستهزاء بالعقيدة السليمة ومظاهر الدين، وفُرض الحظر في بعض البلدان العربية على النشرات الدينية، والكتب الإسلامية، وأطلقت الحرية للأقلام البذيئة للكتابة في أمور الدين بسخافة بعيدين عن الثقافة “.
في مثل هذه الأوضاع أنشأ فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي –حفظه الله-الذي تربَّى في حضن خاله العظيم المفكر الإسلامي الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي ونشأ في رعايته ” الرائد” في عام 1959م، فاختارت “الرائد”كشعار لها “إبلاغ الحق، وحماية المظلوم”، و” لا شرقية ولا غربية مع الحق حيث يكون”، والمثل العربي “رائد القوم لا يكذب أهله”، ورفعت صوت المظلومين حيث كانوا،وسارت على هذا المنهج السليم والوسطية التي خطها الشيخ الندوي رحمه الله تعالى، إلى الآن.
وبعد سقوط المعسكر الاشتراكي وبروز القوة العالمية الجديدة “أمريكا” انتقل العالم كله إلى مسرح الصراع المسلَّح، بل تحوَّل إلى مستعمرة تخدم مصالح هذه القوة العالمية، بعنوان “النظام العالمي الجديد” بثقافة واحدة وبعقيدة واحدة، وبُذِلت الجهود لتكميم الأفواه بفرض إعلام واحد يسيطر عليه اللوبي الصهيوني، والاستيلاء على نظام التعليم والتربية، وتجفيف منابع فكر آخر، أو تصوُّر آخر للحياة، فأصبح الإسلام خطرًا أكبر يجب أن يُحَارَب،فاُستَهدِفت سائر الوسائل والحركات التي تنتمي إلى الإسلام، وجرت حملات الكراهية والعداء في مختلف أرجاء العالم.
ما أشبه الليلة بالبارحة، يجري اليوم الكبت والقمع، والدعاية المزورة إلى حدّ الاستهانة بالقيم الخلقية والمثل الإنسانية، والاستهزاء بالعقيدة السليمة، ومظاهر الدين والأخلاق، والإهانة والإساءة إلى الشخصيات الدينية ومراكز الدين، ومثال ذلك ما وقع أخيرًا في نيوزيلندا، وفرنسا، وألمانيا، والدانمارك والهند كذلك من حوادث كراهية وعداء ذهب ضحيتها عدد من المسلمين.
ويُفرض الحظر على النشرات الدينية، والكتب الإسلامية، وتطلق الحرية للأقلام البذيئة والملحدة للكتابة في أمور الدين بسخافة، وتفرض القيود على النشاطات الإسلامية، ويواجه العاملون في مجال الإصلاح والإرشاد الديني إجراءات قاسية،كما تتخذ اليوم وسائل قمع وسلب للحريات وخاصة حرية التعبير.
فإن الكتب والصحف لا تتمتع بحرية التعبير، والتغطية الصحيحة الأمينة، فالإعلام الحقيقي الأمين والصحافة الهادفة اليوم مفقودة، والجماهير في ظلام وجهالة عن الواقع الحقيقي،فتحدث البلبلة الفكرية، والاضطراب السياسي، ويفقد الأمن والسلام بسبب الإعلام المُسَيَّر من قِبَل عناصر مغرضة، وجِهَات خاصة لأهداف مقررة.
فتمس الحاجة اليوم إلى إيجاد إعلام أمين صادق، يقوم بعرض الحقائق والأحداث والأنباء بصدق وأمانة، وبحرية وجرأة.
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)