ما أشبه الليلة بالبارحة!
26 يوليو, 2021المخرج الوحيد من الأزمات والمشاكل
5 أكتوبر, 2021الصراع النفسي والقلق الفكري في الشباب
محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)
شابنا اليوم يواجهون الحيرة والقلق والارتياب والبلبلة التي وقعوا فيها، نتيجة اصطدامهم بالحياة العصرية، والحضارة الغربية، والمادية،وهي أكبر خطر يواجهونه اليوم، وهي قد برزت اليوم قوية مسلحة بالدلائل المزورة اللماعة والفلسفات الخاطئة البراقة، ومن جهة ثانية تتجاذبهم الاتجاهات الإلحادية والنظريات المنحرفة والتيارات الهدامة، ينجرفون وراءها بسبب ضعفهم في التمسُّك بدينهم، وقلةِ معرفتهم عن تعاليمه،وبمركب النقص فيهم بسبب الحضارة المعاصرة السائدة، ومما يزيد الطين بلّة أنهم يشاهدون تصرفات في الأوساط الدينية لا تتلاءم مع تعاليم الإسلام، وفي جانب ثالث يرون التأخر العلمي والاجتماعي في المجتمع الإسلامي، بينما يبهر عيونهم ما أحرزه الغرب من تقدّم هائل في مختلف مجالات الحياة، وتفوُّق على الأمم الأخرى، فيرون الغرب هو منبع كل سعادة وخير، وأن العلم هو آخر ما وصل إليه الإنسان الغربي من التقدُّم، وأنه نقطة الرقي الأخيرة التي لا يمكن أن يتعداها أحد.
ويرجع ذلك إلى نظام التعليم والتربية السائد اليوم كما أشار إلى ذلك المفكر الغربي اللورد كرومر حيث يقول: ” كانت نتيجته أن وجدت جماعة من أفرادهم “مسلمون” ولكنهم متجردون عن العقيدة الإسلامية، والخصائص الإسلامية، وإن كانوا “غربيين” فإنهم لا يحملون القوة المعنوية، والثقة بأنفسهم، وإن الذي خضع للتأثير الغربي، فإنه وإن كان يحمل الاسم الإسلامي، لكنه في الحقيقة ملحد، وارتيابي ” .
وهناك مفكرون وكُتَّاب يزعمون أنهم مفكرون إسلاميون، يقدمون أفكاراً تتعارض مع الأفكار المقتبسة من السلف والمتقدمين من العلماء، ويحاولون فصل الفكر الإسلامي عن فكر العلماء الراسخين في العلوم الدينية، ويحاولون فصل فهم الإسلام عن فهم العلماء، وتصدر بحوثهم في كتب يتناولها عامة المسلمين، وبلغاتهم بأسلوب جذاب يستميل القلوب، وبوسائل إعلامية حديثة متطورة، فإن هذا الوضع هو أشد خطورة من الأزمات والصراعات التي تعم في العالم الإسلامي لأنه يعالج العقل والفهم، أما الأفكار الأخرى فهي تعالج الجسد.
إن الشباب الذين لم يتلقوا التربية الإسلامية الصالحة، وعاشوا في البيئة المتحررة من القيم الخلقية والمثل الإنسانية، ونشأوا في جوّ التربية الحرّة،أو البيئة الغربية، يعانون من الصراع النفسي، والقلق الفكري، والاضطراب السياسي،وارتبكت حالتهم النفسية إلى حدّ أوشك معه أن يفقدوا ثقتهم بالدين، وينحرفوا عن جادة الحق، ويقعوا فريسة للانحراف والارتياب في الفكر والعقيدة، وقد استعبدت بعضَهم المادية فيستهزؤون بالدين وقيمه ويستخفون بأهله، فما هو المخرج من الحالة النفسية والعقائدية – إن صحّ هذا التعبير – التي وقعوا فيها؟
هناك آراء ونظريات، وطرق ووسائل يشير إليها أصحاب الخبرة التربوية والفكر الإسلامي حسب تجاربهم ومعرفتهم، ولكنهم جميعاً يتفقون على توفير التربية الدينية الصالحة للشباب،وتزكية نفوسهم وتحصينها مما يغويها أو يجرّها إلى الوقوع في الحيرة المردية والبلبلة دينيًا وفكريًا وثقافيًا، وشحنها بالإيمان الراسخ، والعاطفة الإسلامية والغيرة الدينة،وإذا تمت هذه التربية الصالحة في ضوء القرآن وتعاليمه لأمكن التغلُّب على الحيرة والبلبلة الفكرية والعقائدية التي وقعوا فيها لقلة التربية الإسلامية الصالحة،وإعادة الثقة إليهم بدينهم وقيمه الخلقية،والاعتزاز بالحضارة الإسلامية وتفوُّقها، ومحاربة مركب النقص في الشباب، لأن التأخُّر في مجالات الحياة الحيوية ليس إلا نتيجة لما أصاب المسلمين من انحلال وتحررّ من الأخلاق، وابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف؛ هذا الدين الذي كان بمثابة الجذوة الأولى في قيام حضارة إسلامية سامية لها دورها وقيمتها في إسعاد البشرية.
ولو بقينا على ما كان عليه سلفنا الصالح من الإيمان القوي بالله،والاتباع الكامل لرسوله،والعزيمة الصادقة، والضمير الحيّ، والإيثار والتضحية في سبيل مصلحة الأمة، لاستطعنا أن نشارك مشاركة فعالة ورائدة في ركب الحضارة المعاصرة، لكن تمسكنا بالقشور فيما يرجع لتعاليم الإسلام، بالإضافة إلى تواكُلِنا وعدمِ قدرتنا على المضيِّ قدماً في سبيل العلم والمعرفة حتى نحطِّم ما يعترضنا من صعوبات وعراقيل، وخضوعِنا لغريزة النفس ولو كان على حساب المجتمع ومصلحة الأمة، كل ذلك أدَّى بنا في نهاية المطاف إلى تأخُّر روحي ومادي لا سبيل إلى إنكاره.
ولاشك في أن شباب اليوم لو قمنا بتوجيههم توجيهًا صحيحًا وتربيتهم تربية صالحة على التمسُّك بما يدعو إليه كتاب الله وسنة رسوله في جميع تصرفاتهم، ملتزمين سلوكًا طاهرًا، متمسكين بالصدق، مقبلين على أداء واجبات الدين وما يتطلبه منا العمل بتعاليمه بإخلاص وأمانة،لاستطاعوا أن ينشئوا مجتمعًا إسلاميًا فاضلاً يسوده الدين بتعاليمه وحضارته، وتغمره الطمأنينة والسعادة التي أصبحت عنقاء مغرب بجراء المادية الرعناء، وغلبة الأهواء، ولكن هذا المجتمع الإسلامي المثالي وليّ وراح مع ادبار الفضائل التي كانت المجتمعات الإسلامية من أجلها تتمتع بحضارة وتقدّم يدلان على صلاحية الإسلام للتطور والتقدم، ومواكبة ركب الحضارة في كل زمان ومكان.
فعلى العاملين في مجال التربية الإسلامية والتوجيه الإسلامي أن يعرفوا كيف ينفذون إلى قلوب شباب اليوم حتى ينقذوهم مما وقعوا فيه من بلبلة وحيرة مردية،إلى الاعتزاز بدين الإسلام واعتباره نظامًا جامعًا كاملاً للحياة الإنسانية، وأن يكون ذلك بلغة العصر وأسلوبه، وبرعاية الطبيعة المعاصرة، مع التمسك القوى بركائز الإيمان، ومبادئ الإسلام، وثوابته،ومثله العليا،وقيمه الخلقية، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان المربون والموجهون أقوياء الإيمان، على جانب من الأخلاق الكريمة، غير متعنتين، ولا متحجرين، هكذا يستطيعون أن يحببوا الإيمان إلى قلوب شباب اليوم، فإذا وجد الإيمان طريقه إلى القلوب وجد في نفس الوقت طريق مؤثر إلى إنشاء مجتمع إسلامي فاضل مطلوب ومتواكب مع ركب الحضارة والتقدم.
وإن الذين يتولون تربية الشباب،أو لهم دور في مجال التربية والتعليم،أو إسهام في مجال خاص من مجالات العمل الإسلامي، يجب عليهم أن يمثلوا الإسلام الحقيقي، لأنهم لا يستطيعون أن يؤدوا دورهم المطلوب حتى يتخلصوا من المادية،ويعودوا لا يحيد بهم متاع الدنيا، وأي نوع من العز والشرف، وأي جاه محسود، ومنصب مرموق، عن مبادئهم، وأغراضهم، ومهمتهم، وعن أسلوب حياتهم الإسلامي، وعن مستواهم السامي،فما أحوجنا اليوم إلى من يحسنون عملية التربية الإسلامية الصالحة، عن جدارة واستحقاق، وأن ذلك يحتاج إلى قلب نطام التعليم والتربية رأسًا على عقب، وإلى رجال عندهم الأصالة الفكرية، وإلى الاجتهاد في المواد الدراسية، وإلى مكتبة جديدة، وأسلوب جديد في الحديث مع الشباب.