من معاني الإسراء والمعراج
3 فبراير, 2025بناء الإنسان أفضل أم بناء العمارات؟
3 فبراير, 2025الشاعر الألماني “ريكه” يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم
د/ حسن الأمراني (المغرب)
رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية
عُنِيَ الأدباء الغربيون بشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، عبر العصور، وظهرت نصوص شعرية كثيرة، وفي لغات متعددة ومختلفة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي اللغة الألمانية كتب “راينر ماريا ريلكه” قصيدة (رسالة محمد)، وهي تتميز بالكثافة في التعبير، والبساطة في التصوير، وتركز على اللحظات البارزة في سيرته صلى الله عليه وسلم، ولا سيما فترة نزول الوحي، وأثرها في الذات المحمدية.
تتكون القصيدة من أربعة مقاطع، هندستها كالشكل التالي:
المقطع الأول أربعة أبيات، والمقطع الثاني أربعة أبيات، والمقطع الثالث ثلاثة أبيات، والمقطع الرابع ثلاثة أبيات. وهذا الشكل الهندسي هو ما يسمى في الشعر الغربي: (سوناتة).
يقول المقطع الأول:
“عندما تراءى له في المغارة الملاك
ذلك الكائن العُلويّ الذي يعرفه المرء منذ أول نظرة
صافياً ومُشعاً ولاهباً
تخلى الرجل عن كل طلب آخر.
يلتقط “ريلكه” لحظة الوحي الأولى، المتمثلة في أن الملاك تراءى للرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وهو بهذا يختلف عن شعراء آخرين، لم يقروا بهذه الحقيقة، وقالوا: إن هذا الحادث إنما خُيِّل إليه، ومنهم شكسبير الذي يقول ساخراً مخاطباً “جان دارك”: “أو كان محمد يسمع الوحي من حمامة؟! إنك إذن تسمعينه من عقاب”.
ويأتي البيت الأخير من هذا المقطع، مبيناً أثر الوحي في تغيير وجهة الرسول صلى الله عليه وسلم وتخليه عن مشاغل الدنيا كلها، وانشغاله بالنبوة ومقتضياتها وحدها. وكأن الشاعر يستحضر الصفات الواردة في سورة الضحى: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى” [الآيات 6-8].
ثم يأتي المقطع الثاني مركزاً على لحظة الوحي، وانتقال الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمية إلى القراءة، وكأن الشاعر يردّ مزاعم شاعت عند الغربيين، وهي أن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما كان يلفق ما قرأه في التوراة والإنجيل، ليقرر في حق القرآن ذلك الوصف البديع: “ذلك الكلام المفرط في العُلُوِّ، في نظر كائن حكيم”.
وما هذا إلا استحضار لقول الحق تعالى في شأن كتابه جلَّ وعلا: “لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” [سورة الحشر، الآية:21].
وعسى أن نستكمل هذا الحديث في حلقة أخرى بإذن الله جل وعلا.