الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (1)

العلامة حبيب الرحمن خان الشرواني: حياته ومآثره (1867–1950م)
3 فبراير, 2024
فيا ليت الشباب يعود يومًا
3 فبراير, 2024

الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (1)

د. محمد وثيق الندوي

الدكتور أحمد أمين يُعدّ في طليعة الكتاب الموضوعيين العقليين في العصر الحديث، وهو إلى العلماء أقرب منه إلى الأدباء، ويرجع هذا الاتجاه إلى الدراسات والدوافع الأولى، فقد وُلد الدكتور أحمد أمين عام 1886م في مدينة القاهرة، ونشأ في بيئة محافظة دينية، كان لها أثرها في نشأته وتكوينه،وتعلَّم في الأزهر، فهو الأزهري الذي تخرج في الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي، وانتقل من القضاء إلى التدريس في الجامعة، ثم انتقل إلى حياة التأليف والكتابة، وتعلم اللغة الإنجليزية بعد أن ارتفعت سنه، وترجم منها،ونال الشهرة ببحوثه الأدبية ومقالاته وتحقيقاته العلمية، وفي عام 1936م عُيِّن مدرسًا في كلية الآداب بالجامعة المصرية، وانتخب بعد قليل عميدًا للكلية، ومنح لقب الدكتوراه مع جائزة الفؤاد الأول، وانتخب مديرًا للإدارة الثقافية بالجامعة العربية، وظل مشرفاً على لجنة التأليف والترجمة والنشر حوالي 30 سنة، وتوفي عام 1954م.

كانت التربية الأزهرية بعيدة الأثر في أهدافه واتجاهاته، فلما أراد أن يندمج في الحياة الجديدة اندمج فيها على طبيعته، وبكل مقوماته، لم يدع منها شيئًا، ولم يستطع أن يتحول أو ينتقل على الطريقة التي تحول إليها طه حسين أو زكي مبارك أو على طريقة أحمد حسن الزيات ومصطفى عبد الرزاق، فهؤلاء يختلفون عنه لأنهم سافروا إلى أوروبا وأمضوا مراحل دراسة طويلة هناك، وتأثَّروا بالبيئة الغربية، وإنما ظل أحمد أمين، كما هو “النفس المنطوية” التي تزهد في الناس، وتميل إلى العزلة، وتعكف على المطالعة والبحث والدراسة، فإن هذا الاتجاه قد مكن أحمد أمين من أن ينتج إنتاجًا علميًا غاية في القوة والوفرة، وهو ما لم يتح لغيره من الكتاب الآخرين، فإذا اتصل بالمجتمع والحياة العامة، غلبت عليه الأفكار المثالية وجعلته غربيًا في المجتمع إلى حدِّما كما كتب بنفسه في سيرة حياته.

لقد كره أحمد أمين الأزهر منذ أن رأى الطلاب وهم يعرضون الخبز للبيع، وعاد إلى بيته والهمُّ يملأ قلبه، فقد كان هذا أول ما شاهده في الأزهر، ولكن بالرغم من نفور أحمد أمين من الأزهر وكراهيته له واتجاهه إلى الثقافة الأوروبية هل استطاع أن ينزع نفسه من الأزهر؟… كلا! إن كل ما فيه من خير – كمال قال الإمام المراغي – مردُّه إلى الأزهر.

وسافر أحمد أمين إلى العراق، وسوريا، والآستانة، والحجاز، ثم جال في أوروبا جولة غير قصيرة، ولاشك أن هذه الرحلات قد أمدّته بسعة الأفق، ومزيد من العلم والخبرة، فقد عاشها على الصورة نفسها التي يحيا فيها بين الكتب دراسة وبحثاً.

ولأحمد أمين آراء ومواقف، في بعض منها شذوذ وخلاف للعلماء، وله أكثر من 29 كتابًا، ألف بعضًا منها بنفسه، وكتب البعض بالاشتراك، واشترك في تحقيق بعضها، وفيها كتب مدرسية وكتب مترجمة، وأما أشهر كتبه التي نال بها الشهرة العالمية،فهي سلسلته التاريخية” فجر الإسلام” و”ضحى الإسلام” و”ظهر الإسلام”.

قد قامت شهرة الدكتور أحمد أمين الحقيقية ـ كما كتب الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه” أحمد أمين: مؤرخ الفكر الإسلامي” ـ على ما كتبه من تاريخ للحياة العقلية في الإسلام في سلسلته عن فجر الإسلام وضحاه وظهره؛ لأنه فاجأ الناس بابتكار في منهج البحث،وبجديد في أسلوبه ونتائجه،وأظهر وجهًا للكتابة التحليلية لعقل الأمة الإسلامية،لم يظهر من قبل على هذا النحو، لذلك صارت هذه السلسلة عماد كل باحث ومحقق أتى من بعده، وقد حمل أحمد أمين في تاريخ العقلية الإسلامية بكتبه الرائدة مصباحًا في طريق دامس، أنار كثيرًا من جوانبه، ومهد السير لمن اقتفاه.

فجر الإسلام:

أما كتابه الشهير “فجر الإسلام” فقد قسمه إلى سبعة أبواب ذات فصول عديدة، ففي الباب الأول الذي يشتمل على خمسة فصول،يتحدث المؤلف عن جزيرة العرب بموقعها وأجزائها ومناخها وسكانها وأقسامها،ويتحدث في الفصل الثاني عن اتصال العرب بمن جاورهم من الأمم،وعن الغساسنة والمناذرة، واليهودية والنصرانية، ويتناول في الفصل الثالث طبيعة العقلية العربية بالبحث،وعرض آراء شائعة عن العرب، وانتقدها، وعالج في الفصل الرابع الحياة العقلية للعرب في الجاهلية، وأثر البيئة العربية في تكوينها، واستعرض في الفصل الخامس مظاهر الحياة العقلية ودلالة اللغة العربية بقصصها وأمثالها وشعرها على عقلية العرب, وكل ما قاله الدكتور أحمد أمين في هذا المجال جيد وقوي.

وفي الباب الثاني الذي يشتمل على فصلين، قارن المؤلف بين الجاهلية والإسلام،وأوضح أثر الإسلام في نهضة العرب، وتحدث عن الفتح الإسلامي وعملية المزج بين الأمم.

وفي الباب الثالث المحتوي على فصلين عالج المؤلف الحركة العقلية والاجتماعية لدى البلدان المفتوحة، وتحدث عن دين الفرس، وعن الأدب الفارسي، وأثره في الأدب العربي.

وفي الباب الرابع المشتمل على ثلاثة فصول، درس المؤلف التأثير اليوناني والروماني في الأدب العربي، وتحدث عن السبب في تأثر العرب بالأدب الفارسي أكثر من تأثُّرهم بالأدب اليوناني، وعن نواحي تأثير اليونان في الأدب العربي، وقد درس هذه المواضيع بإصابة الرأي ودقة النظر،وبإفاضة.

وتحدث المؤلف في الباب الخامس الذي يشتمل على فصلين، عن أثر الإسلام في الحركة العلمية في القرن الأول الهجري، ومن أدّوا فيها من العرب والموالي دورًا قياديًا، ثم تحدث عن الحركة التاريخية وموقف الأمويين، وعن مراكز الحياة العقلية في الحجاز، والعراق، والشام، ومصر.

وتناول المؤلف في الباب السادس المحتوي على ثلاثة فصول،الحركة الدينية ببحث مستفيض،تحدث عن القرآن وتفسيره، واختلاف العرب في فهم معاني القرآن، وأسباب الاختلاف، وعن التفسير ومصادره، وطبقات المفسرين، وتحدث عن الحديث وما يتعلق به من مباحث، وعالج التشريع في الجاهلية،واستعرض أثر الفتح الإسلامي في التشريع، والقانون الروماني، والفقه الإسلامي،وعلاقة الدولة الأموية بالقضاء، وتأثير الأمصار في التشريع.

وتحدث المؤلف في الباب السابع المشتمل على أربعة فصول، عن الخلافة وما تفرع بسببها من الأحزاب السياسية كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية والمعتزلة.

وقد ذكر المؤلف في ختام كل فصل من كل باب قائمة المصادر والمراجع ليرجع إليها القارئ إذا احتاج إليها.

أخطأ أحمد أمين في بعض آرائه ومواقفه، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة عمله الجليل هذا، لأنه كان رائدًا في حقل الدراسات الإسلامية، فاهتدى إلى صراط مستقيم، سار عليه من أتى بعده، ولا بدَّ للرائد من أن يجانبه الصواب في بعض خطواته الواثبة، فيحتاج لمن يناقشه بروح التقدير، مراعيًا آداب البحث والجدل،كما ناقشه العلامة محمد أبو زهرة، والشيخ محمد يوسف موسى، والدكتور مصطفى السباعي في لغة بريئة وأدب عف، ولكن الأسف كل الأسف حين نرى بعض الناقدين يناقشونه بلغة غير بريئة، وبلهجة عنيفة، وكتب الدكتور محمد رجب البيومي فيقول:

” وقد ثار بعض الكتاب على آراء ظهرت في سلسلة فجر الإسلام وضحاه، عن المعتزلة والشيعة، ويجب أن نعلم أن المذاهب الإسلامية لا تلتقي في كثير من أحوالها عند رأي واحد، فإذا خولفت بعض الآراء لدى قوم، فهذا من طبيعة البحث العلمي، ومهما كان لكل فريق بعض جموحه النسبي، فله فضله الجم، وعلينا أن ننزع من نفوسنا عوامل الشطط الداعية إلى نصرة مذهب، وتهجين ما سواه، إلا بالجدل الحسن، والحوار المشفق”.

فإن كتاب “فجر الإسلام” من أنفس ما كتب الدكتور أحمد أمين، وهو من ذخائر الفكر الإسلامي دون نزاع، ولا بد لكل دارس وطالب من طلاب العلوم الإسلامية والتاريخ الإسلامي، أن يطالع هذا الكتاب الجليل، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام، ليكون مطلعاً على تاريخ الإسلام ودوره القيادي وعطائه العظيم في مختلف مجالات الحياة. (يتبع)

×