بالإسلام سعدنا وعززنا

من التقاعس والتواني إلى الجدية والصرامة
17 يناير, 2024
السلاح الأكبر
14 مارس, 2024

بالإسلام سعدنا وعززنا

جعفر مسعود الحسني الندوي

حكمنا قرونًا طويلة، وخضع لنا الشرق والغرب، ولم يقم في وجهنا أحد يتحدَّانا، وكل من في الأرض ينظر إلينا باحترام وتقدير؛ لأننا طبَّقنا الشريعة الإٍسلامية، والتزمنا بها، وحرصنا عليها، ودعونا إليها، وافتخرنا بها، فسعدنا وعَزَزْنَا، وتقدَّمنا وازدهرنا، وحقَّقْنَا انتصارات أدهشت العالم كله، فقد قال سيدنا عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه حين خرج إلى الشام، وهو على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة، فقال له أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا، تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة، ما يسرُّني أن أهل البلد استشرفوك، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ” أوه لو يقول ذلك غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد، ثم قال: إنا كنا أذلَّ قوم فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.

فكان عهد عمر رضي الله تعالى عنه عهدًا لم يشهد التاريخ عهدًا مثله للإسلام والمسلمين في القوة والسيطرة، والنفوذ والهيمنة، والأمن والسلام، وإعطاء كل ذي حق حقَّه، إنما كان مثل الإسلام في أيامه مثل أمر مقبل لم يزل في إقبال، فلما قتل أدبر ولم يزل في إدبار، وكان حصنًا حصينًا للإسلام، وما زال المسلمون أعزَّة منذ أسلم.

هكذا كنا حين طلبنا العزة بالإسلام، وطبقنا شريعته ومنهاجه، وقويت صلتنا بالله وبرسوله، ورضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً، فلما خرجنا من طاعة الله عز وجل وجربنا المذاهب والأنظمة التي جاء بها الغرب وأعجبنا بها وطبقناها في بلادنا فقدنا تلك العزة ونزلنا عن تلك المكانة التي تبوأناها بتطبيق أحكام الله عز وجل والعمل بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذقنا الويل على أيدي الرأسمالية وتطبيق الاشتراكية وتبنى العلمانية واللجوء إلى الحرية واختيار القومية والإعجاب بالديموقراطية، وهذه المذاهب كلها سببت لنا الشقاء وجرت علينا الحرمان، وساقت إلينا الخسران، وفتحت لنا أبواب التعاسة وورطتنا في مشاكل لم نستطيع أن نتخلص منها حتى الآن.

إننا جربنا هذه المذاهب والأنظمة في بلادنا ونسينا أن هذه المذاهب التي تبناها الغرب قد فشلت في تحقيق ما عقد بها من الآمال، وما أريد بها من الحرية والمساواة والعدل، فإذا ذبلت ولم توت أكلها في الأرض التي نبتت فيها، فكيف تورق وتثمر وتؤتي أكلها في أرض لا تصلح لها، وهي غريبة عنها كل الغربة ومتناقضة عن طبيعة سكانها وقيمهم وثقافتهم وتاريخهم وميولهم وعاداتهم ودينهم وعقيدتهم كل التناقض، لكن الجهل بتعاليم الإسلام وعدم المعرفة بالمآثر والأمجاد التي حققناها فيما مضى من الزمن يجعلنا مصابين بمركب النقص، فنجري وراء كل نعيق، ونعدو إلى كل سراب، ونعود خائبين.

فلا عزة ولا قوة للمسلمين، سواء كانوا عربًا أو عجمًا، إلا بالإسلام، وبالاعتصام بحبل الله المتين، وقد أشار إلى ذلك العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي ـ رحمه الله تعالى ـ وهو يخاطب الأمة العربية في حفلة التكريم في دبي عام 1999م فقال:

“إن الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد العربي صلى الله عليه وسلم، منبع حياتكم، ومن أفقه طلع صبحكم الصادق، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم، وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم ـ بل وكل خير جاء العالم ـ فإنما هو عن طريقه، وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه، وتمسُّككم بأذياله، والاضطلاع برسالته، والاستماتة في سبيل دينه، ولارادّ لقضاء الله، ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحر بلا ماء، كبحر العروض حتى يتخذ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم إمامًا وقائدًا لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام، كما نهض في العهد الأول، ويخلص العالم المظلوم من براثن مجانين أوروبا الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنية، ويقضوا على الإنسانية القضاء الأخير، بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم، ويوجّه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدمار والفوضى والاضطراب، إلى التقدم والانتظام، والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان، إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يُسْأَل عنه عند ربه، فلينظر بماذا يجيب؟

×