الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي
19 مايو, 2025دموع أسى الفراق على السيد جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – (1960–2025م)
19 مايو, 2025الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي في سلطنة عمان
بقلم/ سيد أزهر حسين الندوي
كنا نسمع دائماً منذ زمن بعيد عن الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي وأخلاقه العالية وشمائله الحلوة، وروحه الإنسانية الدافقة بحب الآخرين على اختلاف ألوانهم وأقدارهم، كما كنا نسمع أن السيد الندوي يمضي في طريقه العلمي بخطوات ثابتة وأقدام راسخة وهدف واضح كأنه على يقين لتحقيق مشروعه العلمي من إنتاجات علمية راقية، ومناهج مبتكرة، لمع اسمه في سماء ندوة العلماء كأحد فرسانها الذين كانوا أقماراً مضيئةً، وشموساً ساطعةً في سماء العلم والأدب والفكر والدعوة.
هذا: وقد زار الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي مع زميله الدكتور محمد وثيق الندوي مسقط بسلطنة عمان في 20 من شهر سبتمبر 2024م، وأقيمت له المجالس العلمية، والجلسات الثقافية، والمحافل الفكرية، وطرحت فيها مشكلات الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم في شبه القارة الهندية، ونوقشت العديد من القضايا المعاصرة سعيًا للعمل على حلها ومعالجتها، وكانت موضوعات هذه المجالس العلمية متنوعة وخصبة في قضايا متعددة تغطي قضايا الأمة الإسلامية المختلفة، وكانت للأستاذ الندوي مشاركات فعالة وآراء سديدة ونظرات ثاقبة في كل جلسة من الجلسات العلمية مع الاتصاف بالذكاء والحنكة وسرعة البديهة، كما كان له اهتمام واضح بقضايا المسلمين في الهند، وميزة هذه الجلسات الممتعة المؤنسة والحوارات الفكرية أنها تبرز شخصية الأستاذ المحترم عند الذين لم يلتقوا به من قبل، ولم يجلسوا معه قليلاً ولا كثيراً، فوجدنا فيها السيد الندوي الإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني المودة والرحمة والألفة والتعاطف البشري والمشاركة الوجدانية والأحاسيس الرقيقة، ولين الجانب، والتواضع مع الآخرين، وحب الناس، وكلها معان إنسانية نبيلة وجدناها في سيرته الشخصية، وكان في الحوار بعيداً عن لغة التعالي، ومفردات الزهو، ونبرة العنجهية، ومنطق القوة وأسلوب التهديد والوعيد بل كان أسلوبه دائماً أفضل، ولهجته أرأف، ولغته ألين وألطف، وكان يستمد مفرداته من قاموس التحضر، واحترام رأي الآخر، والاستماع لوجهة نظر الآخرين.
وعلى كل حال لم نجد من شخصية السيد الندوي إثبات الذات دائماً، وتهميش الطرف الآخر، أو التقليل من جهودهم، كأنه هو المركز والباقي أطراف، هو المبتدأ وغيره الخبر، هو موضوع القضية وغيره محمولها، هو في الصف الأول وغيره في الصفوف الخلفية، وأخيراً هو الحركة والنبض والنشاط، وغيره الخمود والهمود والسكون، كلا لم نجد فيه هذا وذاك، ونستنج ما سبق أنه كان صافي النفس كماء النبع، لين الجانب كقطن الديباج، محباً للآخرين كحب الصلحاء والأتقياء، فأبصرنا فيه نور المعرفة، وفيض المحبة، وإشراق الصفاء وبالجملة معالم الإنسان الكامل.
وكانت للسيد الندوي علاقات وصداقات واسعة طيبة مع كثير من الأشخاص والرجال الكبار المعنيين بالعلم والمعرفة من المسلمين وغيرهم، وكلها قائمة على أسس من التعاون العلمي والاجتماعي والتآلف الإنساني والمودة الكاملة والأخوة الإنسانية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية أن السيد الندوي كان مثل النجم الذي تدور حوله الكواكب، والمعلم الذي يلتف حوله تلاميذه المخلصون، والمدهش أن كل مريديه وتلاميذه وأصدقائه كانوا يشهدون أنهم مقربون إليه، وأنهم جميعاً بلا استثناء يدينون بالولاء والمحبة لهذا الشيخ الجليل، ولا شك أن كل من يقرأ شهادات هؤلاء التلاميذ والمحبين الذين أظهروها عبر التواصل الاجتماعي بعد وفاته سوف يأخذه العجب من هذه العاطفة الجياشة تجاه أستاذهم، وهذا الشعور الغامر الذي ملأ قلوبهم حباً واحتراماً لأستاذهم.
وقد أهداني في هذه الرحلة كتابه “أخي العزيز”، وكتابه هذا بلغة محترمة راقية، وأسلوب علمي، إذ كان يتخير الألفاظ الرصينة التي تحمل مضموناً أخلاقياً، وتحمل في جوفها علاقات اجتماعية سامية، وتعمل على صون المحبة بين المجتمع، وتقيم أواصر التواصل، وجسر التفاهم بين التلميذ والأستاذ، والمتعلم والمعلم، والقارئ والمقروء والدارس والمدروس، إذ لا تعارض بين منطوق النقل الصريح، وصريح العقل السليم، وتحافظ دوماً على مسافة الاحترام، وعلائق المودة، ومبادئ التفاهم التي يجب أن تكون قائمة بين التلميذ والأستاذ، والمريد والشيخ، وتوقظ الروح النائمة، وتشحذ العزيمة الخامدة، وتبعث الإقدام في النفوس، وتتفق مع روح الشباب المتعلمين وطموحهم في الحياة.
والدارس لكتاب الأستاذ المحترم يلمس أنه صاغ قضايا الطلاب بأسلوب عربي فصيح، ولغة سليمة وتعبير بليغ يجذب النفس، ويستهوي العقل، ويحرضه على الوقوف أمامها والتفكير فيها، ويرى الدرر الكامنة في أعماقها، والكتاب يستحق الإشادة والقراءة والدراسة من طلاب اللغة العربية في المدارس الإسلامية، والتأملَ في أسلوبه العربي الفصيح، ومفرداته اللغوية الفصيحة، واغترافه من نبع العربية الصافي.
مكث معنا أربعة أيام، ثم سافر بالسيارة من عمان إلى دبي.
رحم الله أستاذنا السيد الندوي رحمة واسعة، وغفر له زلاته، وتجاوز عن سيئاته، وأسكنه فسيح جناته، لما قدمه للأمة الإسلامية من جهود مثمرة، وأفكار نيرة، وما بذله للفكر الإسلامي والإنساني من خدمات، وهو الذي يستحق أن نقول عنه:
وما كان سيدي هلكه هلك واحد | ولكنه بنيان قوم تهدما |
ولله الأمر من قبل ومن بعد، إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.