منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (19)

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (18)
4 فبراير, 2023
السيد رئيس أحمد الجعفري الندوي
5 مارس, 2023

منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (19)

الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي

رحلته إلى إيران

سافر الشيخ الندوي سنة 1973م إلى إيران، واتصل فيها بعديد من أشراف الدولة وأعيانها كما اتصل بوزير الشؤون التعليمية فوجه إليه سؤالا فيه شيئ من الوخز والتأنيب، يفهم كل من له علم بعلم الاجتماع، لأنه يشتمل على رواسب راسخة في التاريخ وفلسفتها، وقد أشار إليه الشاعر الإسلامي محمد إقبال حيث قال:لم تخرج أرض العجم رجلا ذا قلب وعاطفة إيمانية بعد جلال الدين الرومي على الرغم من أن الأرض هي تلك الأرض وأن الماء هو ذلك الماء.

قال الشيخ الندوي: إن الدارس لتاريخ إيران الإسلامي تصيبه الحيرة في أن الأرض الإيرانية التي عرفت في عصورها الأولى بالنوابغ والعباقرة في كل مجال من مجالات الحياة، فكيف عقمت اليوم من تخريج الرجال الأفذاذ، ولماذا تقاصرت عن الإبداع والإنتاج؟ وما هو السبب في هذا التدهور المشين والإفلاس في الفكر والعاطفة؟ تمر الأيام والليالي بل الأعوام والقرون ولم نسمع برجل برز من أرضها وخرج من الطبقة المتوسطة حتى احتل مكانه بين الخاصة والعباقرة ودوي اسمه في الآفاق وكسب الصيت العالمي، فلما لم يجب عنه أحد قام الشيخ الندوي في شرح الأسباب والعلل التي أصاب الأرض فجعلتها عقيمة من توليد الرجال، وحصرها في أمرين: (1) العصبية الممقوتة لموقفها الديني والانحياز البغيض للطوائف الدينية الأخرى.(2) البعد التام عن الإحسان والتزكية التي تضرب على أوتار القلوب وتنفخ فيها الروح الإيمانية.

يجدر بنا ذكر قصة جرت له مع آيت الله الخميني قائد الثورة الإيرانية وهي أن الشيخ الندوي كان نزيلا في مكة للحضور في مؤتمر الرابطة الإسلامية العالمية، وحضر وفد من العراق للحضور في المؤتمر يرأسه الخميني، وكان الخميني يقضي أيامه المنفية في العراق قبل الثورة، وقد عرفه أحد فقال الخميني:نعم أعرفه من خلال كتاب ” ردة ولاأبابكر لها، وياليته سماه “ردة ولا أبا حسن لها”.

فأجابه الشيخ الندوي أن المثل العربي هو كما سميته ” ردة ولا أبا بكر لها، وقضية ولا أبا حسن لها.

وبعد ذلك اليوم حضرت وفود الرابطة لزيارة الكعبة المشرفة ولكن كان هناك ازدحام شديد فتوقفوا هنيهة في ناحية من صحن المطاف، وكان مع الشيخ الندوي الأستاذ أبو الأعلى المودودي ثم اتفق أن جاء الخميني يقول: هنا علمان من أعلام العالم الإسلامي، فلندع الله ” ثم رفع يديه للدعاء يقول فيه: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، يكرر تلك الكلمات ولا يزيد عليها فأكمل الشيخ الندوي الآية و”لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم” فضحك العلامة المودودي وقال: أبيت إلا تنطق بالحق “.

لا يدرك مدى خطورة عمله ذلك إلا من له اطلاع واسع على عقائد الفرقة الشيعية المنحرفة وما يحملون في قلوبهم من الغل والحقد الدفين للصحابة الكرام – ر ضي الله عنهم ورضوا عنه -حتى أنهم لايرونهم على الحق إلا ثلاثة أو أربعة .

وكان له مواقف ومعارضات مع الخميني قائد الثورة الإيرانية وروحها المفتعلة وعقلها المفكر، فقد صرح الشيخ الندوي بموقفه الصريح الغير المجامل كلما بدت له حاجة التصريح، وأشاد بما للصحابة فضل كبير في صيانة الدين الإسلامي وما يحتلونه من المقامات الرفيعة والرتب العلية حسب التصريح القرآني لم يخف في ذلك لومة لائم، وإنه هو الذي تميز به عن غيره من الدعاة والمصلحين، صرح بالقول كلما رأى في الصراحة خيرا، وسكت إذا رأى في السكوت خيرا ونفعا للإسلام والمسلمين، لا يخاف في الله لومة لائم ولا بطش سلطان قاهر.

ويدل على ذلك ما جرى له في المملكة العربية السعودية أن الشيخ الندوي وجه النقد الشديد على موقف المملكة إزاء أتباع الديانة المسيحية(فإن المملكة تتخذ موقف استرضاء المسيحيين) في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي، صرح الشيخ الندوي في خطابه ذلك بالنقد القاسي على الموقف السعودي الرسمي الذي يميل إلى استرضاء المسيحيين ومعاندة اليهود، فأكد على أن الصهيانة اليهود وأتباع المسيحية وجهتان لعملة واحدة يساويان في عدائهما للإسلام، ومحاربة المسلمين، فلابد من اتخاذ موقف حاسم غير مجامل لكلتا الجبهتين اللتين تبذلان كل ما وسعهما من قوة الفكر والمال في إبادة المسلمين من أرض فلسطين، كان الخطاب مثال للحمية الإسلامية والجرأة الإيمانية والصدع بالحق يقول الشيخ محمد الرابع الندوي الذي كان يصحبه في تلك الرحلة: إن الشيخ الندوي كان يعترف بأن خطابه ازداد في الصراحة بعض الشيئ وفي شدة النقد وصرامة لهجته بعض الشيئ إلا أنه قال:الحمد الله الذي على أن من بتوفيق زيارة الحرمين الشريفين وسعادة الحج والعمرة عدة مرات، فلا أبالى بعد ذلك بما إذا فرضت على بعض القيود من قبل المملكة أو أمنع من الدخول في المملكة، وما قلت إلا ما رأيت صوابا وأقرب إلى الإسلام ومنهاج النبوة، ويجب على أرباب المملكة العناية يهذا الجانب المهم.

وقد تلقى دعوة من الملك السعودي بعد ذلك الخطاب الصريح، فقصد الملك، فتلقاه الملك بحفاوة بالغة، وأكرمه ولم يذكر ما كان منه شيئا، لأن هولاء يدركون شخصية الشيخ الندوي ويعرفون طبيعته الإسلامية وصراحته الإيمانية، ويعرفون أنه ليس كعلماء يطلبون السمعة الكاذبة فيميلون في خطبهم إلى التحامل على القادة والزعماء ويوجهون إليهم تهما صادقة أحيانا وغير صادقة في أحيان كثيرة، ويعتبرون أنفسهم في مصاف “الناطقين بالحق والصادعين بكلمته عند سلطان جائر” وكان الملك يعرف أن الشيخ الندوي يحمل في صدره قلبا مخلصا ناصحا للمملكة، لا يقول إلا ما يراه خيرا لها، فكلما وخزهم الشيخ الندوي وأنبهم على نشاطاتهم ومواقفهم بخطبهم ورسائلهم تأثروا بكلامه المخلص الصريح، وسلكوا مسلك الاعتراف والرجوع إلى الحق والصواب.

تركيا:

كانت تركيا مقر الخلافة الإسلامية وكان الأتراك تميزوا عن غيرهم من الحمية الإسلامية والتحمس المطلوب في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد لعبوا دورا ملموسا  في الذود عن حياض الدين والدفاع عن حصن الإسلام ، وعلى الرغم من محاولات ضخمة قام بها كمال أتاترك لانتشال ما كان في نفوس الأتراك من الحماسة الدينية لم ينجح في إطفاء جذوة الإيمان لأن الغيرة الدينة كانت راسخة في سويداء قلوبهم، لذا حينما ارتفع الأذان بعد حقبة من الزمن من منارات المساجد ودوت أصواته في آفاق السماء غمرتهم الفرحة والسرور وانهمرت عيونهم ووقعوا سجدا بصوت المؤذن الشجي الذي تقادم عهده، وخلال هذه المدة جهل الشعب التركي الخط العربي الذي تمت به كتابة القرآن لايعلمون منه شيئا، وأصبحت الحضارة الغربية مسيطرة على المجتمع التركي و نشبته بمخالبها، وقد جعلت الجنود الأتراك المسلمين فاقدين الوعي والشعور الإسلامي،خمدت قلوبهم من شعلة الإيمان بل معادين للإسلام وحضارته وأفسدت عقولهم ، وفي الوقع أنهم هم الذين كانوا يطربون  من ذي قبل بأصوات الآذان المرتفعة من منارات المساجد،ويخفون إليه للصلاة  خاشعين قانتين، أما الشعب التركي لم تزل قلوبهم مفعمة بحب الإيمان، وإنما تمسها الحاجة إلى غرس معاني التوحيد وحقائق الإسلام في قلوبهم كي تثمر وتـؤتي أكلها بإذن ربها،وكانت تحتاج إلى معلم  بارع بصير يربي الشعب التركي على أصول الإسلام،ويدربه على المنهج الإسلامي الصحيح الذي يجعل منه بركانا ثائرا على الجاهلية المستحدثة، وعاصفة هوجاء تأتي على فتنة القومية الملعونة حتي يستعيد ما كان له من المجد والسؤدد والغلبة والرفعة بين الشعوب الأخرى وتغني الأمة الإسلامية بعطائها المتجدد وهمتها الوثابة.

×