منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (17)
12 يناير, 2023منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (19)
5 مارس, 2023منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (18)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي
رحلته إلى مراكش
سافر الشيخ الندوي إلى مراكش على دعوة من رابطة الجامعات الإسلامية وأقام فيها مدة أسبوعين، ودعي في أواخر أيامه في مراكش إلى مأدبة ملكية فاخرةحضرها مع الملك حسن الثاني عدد وجيه من أعيان البلدة، وقد وجه الملك دعوته إلى الشيخ الندوي لزيارة مراكش إلا أنه اعتذر كل مرة لكثرة شواغله العلمية والدعوية،وقد تهيأ له الجو في هذه الزيارة لاتصاله بالملك، قام الشيخ الندوي بإلقاء الكلمة نيابة عن الملك، فكانت الكلمة نموذجا رائعا لدعوته الحكيمة كأنه ضرب على الوتر الحساس قال:
“إنني أسعد بتبليغ رسالة كريمة إليكم عن العالم الإسلامي، أراها أمانة في عنقي ومسؤولية على عاتقي، وهي أن المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها ينتظرون بفارغ الصبر أن يطلع من أفق العالم الإسلامي نجم جديد يعلقون به آمالهم، إنهم يعيشون وضعاً متردياً عصيباً عجيباً يحتاجون فيه إلى قائد عصامي، مؤمن ألمعي، يمتاز بإخلاصه ويقينه وعزمه الراسخ وقلبه الواثق”.
( في مسيرة الحياة للشيخ الندوي:1/377)
يتحدث الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي عن بعض تفاصيل هذه الزيارة فيقول:
” كان من حسن المصادفة أن الملك كان مقيما في مراكش، فقابله الشيخ الندوي لأنه هو الذي أعطى الفرصة لإلقاء كلمة النيابة عن الوفد،فألقى الشيخ الندوي خطبته بأسلوبه الأدبي المؤثر الهادئ الذي راعى فيه مكانة الملك وصراحة الكلام الحق،ودعاه إلى الشعور بما ألقيت على كواهله من أعباء الرعية وإراحتها وإصلاح ما تدهورمن حالتها الخلقية والدينية، ومعرفة الأوضاع الراهنة ومقتضاياتها المعاصرة،وكانت الفرصة دقيقة وجادة لأنها موعد حضور أعضاء المؤتمر من مختلف أقطار العالم الإسلامي لزيارة الملك والتسليم عليه، لا تسع لموعظة دينية أو لكلام إصلاحي،ولكنه تولى هو بإلقاء كلمة النيابة عن الوفد التي لا تتجاوز التهنئة بالملك والإشادة بمكارمه ومحامده،وإن لها شأنا يعرف في الأوساط المتحضرة الراقية،فقد قام الشيخ الندوي بالموعظة الحسنة البليغة بأسلوبه الصريح مع مراعاة الموقف الحرج والتأدب بآداب المجلس الملكي ومقامه الرفيع،وبعض كلامه يشتمل على ما أفضي إليه من الأوضاع المعاصرة في البلاد،وقد جاء كلامه في مكانه وأوانه،فوقع من النفوس موقعا حسنا،ثم التمس بعض العلماء فرصة للحوار فأعطيت له الفرصة إلا أنه لم يتمكن من مراعاة الموقف ومقتضاياته على رغم كونه من أهل اللغة العربية، ثم لما انفض المجلس أشاد كل من حضر من العلماء والدكاترة بخطبة الشيخ الندوي المؤثرة وبلاغة كلامه الذي راعى فيه مقتضى المناسبة والمقام،وركاكة كلام ذلك الفاضل الذي لم يقدر على مراعاة المناسبة والمقام،وكنت قد شهدت المجلس فأعجبت بما شاهدت من حسن كلامه وطلاقة لسانه ورصانة كلماته، كان الشيخ الندوي يتكلم بالعربية الفصحى معلقا على الأوضاع المعاصرة كالناقد البصير والأديب القدير،وتيقنت أن ليس له إلا بالعناية الإلهية التي تمد كل من أخلص قلبه لله وأسلم نفسه لمرضاته وتحوطه برعايتها، وقد شاهدته غير مرة أنه صرح بموقفه العادل ونظرته الإسلامية البناءة أمام الأمراء والسلاطين في العالم الإسلامي تصريحا غير مجامل ولا مكترث، وقد خفت حينئذ أن يكون كلامه يعدّ إساءة إلى مكانة المخاطب أو نقصا في كرامته،فيحدث رد فعل في نفسه،ولكنه تغلب دائما على كل هذا الموقف الحساس والمشكلة الحرجة،وكسب بكلامه البليغ المخلص القلوب، وملك بأسلوبه الهادئ المفعم بالصدق والإخلاص على النفوس،وازداد قدره بين الأوساط الحاكمة،وقد شيعه الملك عند مغادرته إلى الباب إجلالا له وتعظيما،وكرر دعوته لزيارة بلاده بين فينة وأخرى.
رحلته إلى اليمن:
سافر الشيخ الندوي عام 1984م إلى اليمن لأول مرة، فرحب بقدومه الناس بجميع طبقاتهم وأوساطهم،وتلقوه بحفاوة بالغة،وقد قام بتقديره الأوساط الرسمية، حتى عقدت له حفلة لإلقاء الخطبة أمام الجيش،وحضر هذه الحفلة التي تم انعقادها في المسجد الجامع ( جامع المظفر) عدد كبير من علماء المدينة وأعيانها كما حضرها رئيس الدولة ونائبه والوزراء،وقد سنحت له فرص أخرى سعيدة للتحدث مع الشعب المراكشي في مناسبات شعبية، وتمت له لقاءات مع كبار العلماء وأصحاب الفكر،فأبدى انطباعه عن اليمن وسروره الغامر وتحدث عما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بلاد اليمن،ودعاهم إلى الحفاظ على شخصية اليمن الإسلامية،وأرشدهم إلى ما تدبره البلدان الأوربية ضد الإسلام والمسلمين من مؤامرت ودسائس عن طريق التعليم ووسائل التربية”.
( الشيخ السيد أبو الحسن على الحسني الندوي مربي الجيل المعاصر:143-144)
رحلته إلى الإمارات:
تلقى الشيخ الندوي دعوات متكررة ومخلصة ملحة من أعيان دولة الإمارت، لأنهم كانوا على معرفة بشخصية الشيخ الندوي عن طريق الكتب والمؤلفات العلمية والجهود الدعوية، وكان بينه وبينهم علاقات ودية أخوية وصلات روحية طيبة، وفي مقدمة هولاء الحريصين على زيارته للإمارات حاكم شارقة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي،فسافر الشيخ الندوي على دعوة منه،وإن الشيخ سلطان بن محمد القاسمي قد تكرر لقاؤه مع الشيخ الندوي حين زار لكناؤ -في زيارة رسمية للهند-وقد عقدت الحفلة في رحاب ندوة العلماء إجلالا وتكريما له ورحب الشيخ الندوي في تلك الحفلة “بقوله: نعم الأمير على باب الفقير، وبئس الفقير على باب الأمير”.
اتصل بالشيخ الندوي الدكتور تقي الندوي أستاذ جامعة العين في الإمارات من أبو ظبي هاتفيا وطلب منه إلقاء المحاضرة،فاعتذرعنه الشيخ لمسؤولياته وأشغاله المتواصلة ولكونه شهر رمضان وتدهور صحته،إلا أنه ألح في الطلب، وكان ذلك في مناسبة تكريم الشخصيات العلمية في العالم الإسلامي، فسافر إليها مع عدة من رفقته راجيا الصحة الطيبة في تغير البيئة والجو.
و ألقي الشيخ الندوي سنة 1976م محاضرة قيمة في أبو ظبي كانت من وحي الساعة وحاجة العصر، وكانت المحاضرة بقاعة المحاضرات بالمجمع الثقافي الكبير، وكان موضوعها” ترشيد الصحوة الإسلامية” ثم نودي اسمه لتكريم شخصيته،خصصت له ميزانية كبيرة من المال الذي وزعه على المدارس والجامعات الإسلامية،وقد حضر في حفلة التكريم جمهور غفير من أعيان الدولة والمهتمين بالقضايا الإسلامية،تمثل الشيخ الندوي في كلمته ببيت من شعر العلامة محمد إقبال:
“لا وجود للعالم العربي بالحدود والثغور،وإنما العالم العربي بمحمد العربي صلى الله عليه وسلم” ثم شرح البيت شرحا وافيا كسب قلوب المستمعين الذين غصت بهم الساحة الواسعة،وأعلن الشيخ الندوي في حفلة تكريمه عن توزيع جائزة دبي على المدارس والمؤسسات الإسلامية،وأمطر عليها كصيب نافع مدرار كما قال أحد الصالحين: إن الصلحاء إذا أكرموا فانقلبوا أيدي معطاء سخية”،ووقع كلامه من القلوب موقعا حسنا على رغم ضعف الصوت وقواه المنهارة.
وقد جاء لمقابلته سمو الشيخ الأمير سلطان بن محمد القاسمي حاكم شارقة، ونائب رئيس الدولة الشيخ سلطان بن زائد،وقد أثر حضوره واتصاله في الإمارات وظهرت له آثار طيبة،ثم رجع الشيخ الندوي بعد ثلاث ليالي أقام فيها في دبي إلى الهند، وكانت رحلته تلك رحلة أخيرة لدولة الإمارات.