الحاجة إلى اختيار أجدى الوسائل

حاجة العالم الإسلامي
26 ديسمبر, 2022
الأخوة والوحدة
4 فبراير, 2023

الحاجة إلى اختيار أجدى الوسائل

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

)مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا( [ الإسراء: 18-21] يتضح بهذه الآية أن الكفر لا يمنع من البلوغ إلى حياة العز والكمال والراحة في هذه الدنيا، وأن الالتزام بالدين والامتثال بأوامر الله لا يمنع أيضًا من البلوغ إلى الكمال والعز المادي في هذه الدنيا، لأن الوصول إلى كمال العز والقوة مرتبط بالاستفادة والاستغلال من الوسائل المودعة في الأرض من الله تعالى، فمن يختارها يصل إلى الكمال المطلوب فيها،واختارها الكفار في مختلف العصور والأزمان فبلغوا إلى العز والقوة في حياتهم الدنيا، ولكنهم بكفرهم وباتباعهم لهواهم خسروا الراحة والنعيم في الآخرة، وعندما قصروا بالاستفادة من هذه الوسائل المودعة في الأرض هانوا وذلوا في الحياة الدنيا أيضًا وليس لهم في الآخرة من خلاق.

أما المسلمون فعندما فطنوا لأهمية هذه الوسائل التي سخرها ربُّهم لهم ليستفيدوا منها لأهداف الخير واختاروها واستغلوا هذه الوسائل مع محافظتهم على امتثال أوامر الله تعالى، فإنهم بلغوا أيضًا إلى العز والقوة في الحياة الدنيا أيضًا، وكان لهم الفوز والنعم التي أعدها الله لهم في الآخرة .

لقد سلك المسلمون من بني إسرائيل هذا الطريق ونالوا العز والشرف، وذكر الله تعالى ذلك في كلامه بقوله “يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين” ثم ظهر فيهم البغي بعد فترة من الزمن وعصيان شديد، كما قصروا في الاستفادة الصالحة أيضًا بما سخره الله تعالى وهيأه للإنسان من وسائل، فهانوا وذلُّوا، ثم أصيبوا ببغيهم وعصيانهم لربِّهم وأعمالهم السيئة بنكال من الله شديد، أما المسلمون في عهدهم الأول،وذلك بعد بزوغ شمس الإسلام تحت راية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد اختاروا الطريقة الأحسن من الطريقتين، وهي الطريقة الجامعة بين الإيمان والعل الصالح والاستفادة من العلم واستغلال وسائل العزة والقوة، فبلغوا إلى أعلى درجة الكمال والقوة، وقضوا نحو ستة قرون في العز والقوة في الدنيا ما لم يكن لهم عديل في ذلك، ثم قصروا في أسباب الدنيا المهيأة لهم من الله تعالى فهانوا وضعفوا، وضعفت قوتهم وشوكتهم، ومن المؤسف انهم قصروا تقصيراً في المحافظة على الأسباب التي ينالون بها رضا الله أيضًا، وتهاونوا في المحافظة على حياة الامتثال لأوامر الله، وسرت فيهم الأدواء الخلقية والعلمية، وضعف فيهم الالتزام بما يجب عليهم نحو الوحدة على كلمة الله، وتنفيذ ما يتقاضاه منهم منصبهم في الحياة من إصلاح ما فسد في حياتهم، ومن هداية غيرهم إلى الحق، وبذلك وقع فيهم تقصير في الجانبين معًا، جانب اختيار أسباب القوة والتقدم، وجانب الالتزام بصفات الصلاح والتقوى، وفي نفس الوقت تيقظت الأمم المناوئة لهم، وبدأوا اختيار أسباب القوة والتقدم، ووسائل الغلبة والسلطة، فهانت على هذه الأمم القوة الإسلامية التي لم تعد ملتزمة التزامًا لائقًا لا بأسباب القوة والغلبة لهذه الدنيا، ولا بأسباب الطلب لرضا الله ونصرته.

فكان نتيجة ذلك انتصار القوة المعادية للإسلام التي اتخذت الإسلام والمسلمين هدفًا لمآربها الاستغلالية والعدائية، فشتتت بلاد الإسلام، واتخذت وسائل لاستعباد عقلية أبنائها، واتخذت كذلك طرق التعليم والأدب والإعلام أيضًا، فبهرت بذلك عقول شباب بارعين من أبناء الإسلام في مؤهلاتهم العلمية والإنسانية بمنجزاتها التجريبية الرائعة في الحياة المدنية والاجتماعية.

إن المسلمين أمة مختارة من الله تعالى ووعدهم الله تعالى بالغلبة والانتصار بقوله ) وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين( ولكن اشترط الله لغلبتهم وعلو مكانتهم بأن يكونوا مؤمنين، والإيمان يقتضي أخلاقاً وصفات فيها جد وصرامة وكفاح، واتباع للحق وتطبيق لشريعة الله على الحياة الفردية والاجتماعية جميعًا، وأن يأخذوا بأسباب القوة والعز، وذلك بتربية النفوس وتسليحها بسلاح العلم المفيد، وبالإعداد اللازم للظروف التي يواجهونها وفقًا لقوله تعالى ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم( [ الأنفال : 60] . ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” تسلحوا بأسلحة أعدائكم” بدلاً من أن يقعوا في حالة الانبهار أمام التقدم الغربي في وسائل الحياة وأسباب القوة المادية ويصابوا بمركب النقص يبلغ بهم إلى التقليد الأعمى والخضوع، فإن المسلمين مأمورون بأن يكونوا هداة متبوعين، لا رعاعاً تابعين ولن يكون لهم النجاح إلا بالسير على جادة الحق جادة الجمع بين أسباب القوة والعقل وبين حياة الهداية والحق .

×