لا ناقة لي فيها ولا جمل
12 يناير, 2023والقولُ ما قَالتْ حَذَامِ
4 فبراير, 2023من مواعظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سعد يوسف أبو عزيز
أيها الناس: ألا إنما كنا نعرفكم إذ بين أظهرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وإذ ينزل الوحي، وإذ يُنبئنا الله من أخباركم.
ألا وإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد انطلق، وانقطع الوحي!
ألا وإنَّما نقول بما نَعرفكم.
نقول لكم: من أظهر منكم خيراً ظننا به خيراً، وأجبناه عليه.
ومن أظهر لنا شراً ظننا به شَراً، وأبغضناه عليه.
سرائركم بينكم وبين ربكم.
ألا إنه قد أتى علي حين من الدهر وأنا أحسبُ من قرأ القرآن يُريد به الله وما عنده، فقد خُيّل لي بأخَرَةٍ أن رجالاً قرءوه يُريدون به ما عند الناس.
فأريدُوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم.
ألا وإني والله ما أُرسلُ عُمَّالي إليكم ليضربوا جلودكم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم.
فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفسي بيده لأقصنَّه منه(1).
فوثب عمرو بن العاص فقال:
يا أمير المؤمنين أفرأيته إن كان رجل من المسلمين على رعيته، فأدب بعض رعيته، إنك لتقصنَّه منه؟.
قال عمر: إي والذي نفسي بيده إذن لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُص من نفسه.
ألا لا تضربوا المسلمين فتذلُّوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم(2).
نصيحته:
أعطوا الحقَّ من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إليَّ، واعلموا أن صلاح الأمر في ثلاث:
أداء الأمانة، والأخذ بالقدوة، والحكم بما أنزل الله.
وصلاح المال في ثلاث:
أن يؤخذ من حق، ويُعْطَى في حقٌّ، ويُمْنَع من باطل.
وأعاهدكم على ألاً أجتني شيئًا من خراجكم، ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، (أي: حق بيت المال).
ولكن علي إذا وقع في يدي الاً يخرج إلا في حقه، (أي: يُوزع بالعدل).
ولكم علي أن أزيد في عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله.
ولكم عليَّ ألا أُلقيكم في المهالك، ولا أُجَمركم في ثغوركم(3).
وإذا رغبتم في البعوث (أي: الحروب) فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم.
فاتقوا الله ـ عباد الله – وأعينوني على نفسي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم).
طعام عمر في عام الرمادة:
قال أسلم خادمه:
كان عمر إذا أمسى – في عام الرمادة (4) – أتي بخبز وأثرده في الزيت إلا أنه نحر في يوم جَزُورا(5) فأطعمها الناس.
وغرفوا له فإذا هو قدر من سَنام وكبد.
فقال: من أين هذا؟
قالوا: من الجزور التي نحرنا اليوم!
فقال عمر: بخ بخ(6)، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبا، وأطعمت الناس كراديسها – أي عظامها – فأتي بخبز وزيت وجعل يكسره ويُثرد(7) في ذلك الزيت. ثم قال لغلامه: ويحك يا يَرْفأ!
احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بالمدينة، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام.
وأحسبهم مُقْفرين(8) فضعها بين أيديهم.
فحمل إليهم يرفأ الطعام الطيب، الذي آثرهم به عمر على نفسه!
الهوامش:
- أي: لأعاقبنه بالمثل.
- منع عمر الولاة من عمل ثلاثة أشياء برعيتهم منعهم أن يضربوهم حتى لا يذلوا وتذهب نخوتهم. ومنعهم أن ينقصوا حقوقهم فيكفروا بالعدل، وهو ميزان دينهم. ومنعهم أن يفرقوا جيوشهم قطعاً في أرياف العدو، فيحصرهم العدو ويغدر بهم. (سيرة عمر بن الخطاب للأستاذ / أحمد البلتاجي، ص: 43).
- لا أجمركم في الثغور: أي لا أحبسكم المدة الطويلة في الحروب بعيداً عن أهلكم وبيوتكم، فلكل كتيبة موعد تعود فيه.
- وهي عام (18هـ)، وفيها انقطع المطر، فأجدبت الأرض وأشبهت الرمادة.
- الجزور: الناقة.
- أي: حَسَنٌ حَسَنٌ، على وجه السُّخرية.
- يشرد: أي يصنع ثريداً، أي فَتًا.
- مقفرين جائعين.