لا ناقة لي فيها ولا جمل

النبأ العظيم
26 ديسمبر, 2022
من مواعظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
12 يناير, 2023

لا ناقة لي فيها ولا جمل

ابتسام الصالح

إن للأمثال الشعبية قصصا تعكس ثقافات الشعوب، فهي المرآة التي نرى من خلالها معتقدات الشعوب وأفكارهم وسلوكياتهم، بل إن الكثير من الأمثال الشعبية تعبر عن خصوصيات الثقافة لدى المجتمعات المختلفة، وبعضها أسهمت في تشكيل ذهنية واتجاهات بعض الشعوب ولعبت دورا في تحديد الطابع العام لهم، الأمر الذي تسبب في أن تغدو هذه الأمثال محورا لاهتمام الباحثين والمتخصصين في دراسة الثقافة الشعبية. ومن بين الأمثال الشعبية المثل الشهير “لا ناقة لي فيها ولا جمل” فما قصة هذا المثل ؟ تعود القصة إلى الحارث بن عباد وهو شاعر وحكيم عربي يعد واحدا من الفرسان المبرزين في تاريخ الفروسية العربي، حتى قيل إنه وصف بأشجع رجل في تاريخ العرب. وكان رجلا ذا عقل راجح ورأي سديد. وقد رفض المشاركة في زمنه في الحرب الشهيرة التي عرفت بـ”حرب البسوس” التي دارت بين قبيلتي تغلب وربيعة.

نزلت يوماً امرأة تسمى البسوس بناقتها.. إلى جوار جساس بن مرة. وكان جساس من سادة قومه. وبعد عدة أيام من إقامة البسوس دخلت ناقتها بين إبل كليب بن وائل فرماها بسهم فقتلها. وكليب بن وائل كان سيد قومه في الجاهلية وكان متجبراً قاسياً، يأمر فلا يعصى.

فلما علم جساس بما صنع كليب ثار لقتل ناقة امرأة نزلت في حماه. فتربص لكليب وقتله، فنشبت حرب بين قوم كليب وقوم جساس واشتعلت الحرب للأسف بين أبناء العمومة، ولما حاول الإصلاح بين القبيلتين بقيامه بالوساطة بينهما لدفع دية كليب لبني ربيعة رفض الزير سالم أخو القتيل وساطته.

فلما دُعي بطل قصتنا الحارث ابن عباد إلى هذه الحرب رأى أنَّها حرب لا تقوم على سبب يستوجب الحرب، وأن طرفيها غير محقين سواء طرف الزير سالم أخو كليب المقتول، أو طرف مرة ابن ربيعة والد جساس القاتل الذي قتل رجلا في ناقة.

فأبى النزول حتى إنه قد طلب منه الزير أن يعيره فرسه فرد عليه الحارث بعبارته المشهورة وقال: “لا ناقة لي فيها ولا جمل”، أي لا شأن لي فيها أبدًا.. فصارت جملته هذه مضرباً للمثل، في براءة الإنسان من تهمة لا شأن له بها. أو لمن دعي إلى عمل لا يجني من ورائه نفعا.

وبالفعل انتهت حرب البسوس بعد فترة طويلة من دون أن يشارك فيها الحارث. وتوفي عن عمر سبعة أعوام ومائة.

×