أيام في الربوع العربية (10)
21 نوفمبر, 2024أيام في الربوع العربية (11)
الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
“وزار الأردن في هذا الشهر سماحة الأستاذ العلامة أبو الحسن الندوي أمين عام ندوة العلماء في الهند، وقد حل ضيفًا على وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وقد شارك مشاركة فعالة في محاضرات وندوات الموسم الثقافي الثالث للوزارة.
والأستاذ الندوي ورث العلم كابرًا عن كابر، فهو ابن العلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني أحد أبناء أسرة الأشراف التي حلت بالهند في القرن السادس الهجري، ووالد الأستاذ أبي الحسن الندوي مؤلف كبير وأكثر تآليفه في مادة التاريخ والثقافة وأغلبها كتبه باللغة العربية.
وقد كنت في الماضي أسمع عن الأستاذ الندوي، وكنت أقرأ له، ولكن هذه الزيارة أتاحت لي فرصة اللقاء به، فعر فته عن كثب، وسمعته عن قرب فأدركت الحكمة القائلة: فما رأى كمن سمع، فقد سمعته وهو يحاضر ويتحدث بلسان عربي بليغ وأسلوب أدبي أصيل جميل، ويحمل في عقله أفكارًا راقية، ويحمل في قلبه للإسلام الإكبار والإعظام، وأمله الكبير أن يرى أمة الإسلام قد احتلت مكانتها اللائقة بها بين الشعوب والأمم وهو في سبيل ذلك يناضل ويكافح ولا يعرف للراحة سبيلاً ولم تضعف عن عزيمته الشئون عامًا التي بلغها في عمره ولم تفت في عضده هذه السنون بل تراه وكأنه في شرخ الشباب قوة وعزيمة ومضاء.
كلماته تخرج من فيه فتعمل كالسحر في مستعميه ويسرى روحها في نفوسهم سريان الكهرباء في أسلاكها.
ورافقته في زيارته إلى شمال الأردن المطل على الجولان وشمال فلسطين، فامتعض للمنظر الرهيب وتأثر أيما تأثر، وبطبيعة الحال تحدثنا معًا في مشكلات المسلمين وتحديات العصر للإسلام في كل مكان وأخذنا نقفز في عالم الفكر من ربوة إلى ربوة، وننتقل من روضة إلى روضة، وسرنا مع الأحداث شرقًا وغربًا، فأدركت أن الرجل واسع المعرفة عميق الإدراك للمشكلات الحضارية والتيارات الفكرية المعاصرة.
وله آراء تتسم بالأصالة وبعد النظر وسلامة التصور وعمق الدراسة للحركات الإسلامية.
فهو يرى أن العالم العربي وبخاصة بلاد الشام تقع بالنسبة للعالم الإسلامي موقع الرأس من الجسد وهي خط الدفاع الأول عن بلاد الإسلام الشاسعة فإذا إنها هذا الخط – لا سمح الله – إنها العالم الإسلامي وإذا ضعف العرب ضعف المسلمون في كل مكان.
سمعته يحاضر فبهر في أسلوبه، وراعني بيانه وأثّرفي نفسي حديثه وملأ بوقاره قلبي وعيني، يتكلم عن أحوال المسلمين الحاضرة فيثير الوجدان والشجون ويدمى القلوب والعيون.
ويتكلم عن أحوال المسلمين في الماضي فيزرع الثقة في النفوس ويبذر الأمل في القلوب ويعلن بصراحة أنه لا ييأس.
وإذا تكلم عن قوة الإسلام وطاقاته الذاتية يضفي على العقول وعيا يقنعها أن الإسلام أكبر من كل التحديات وأقوى من كل العداوات.
إنه يجمع بين وقار العالم وظرف الأديب وكياسة الحكيم وبساطة المسلم.
ومجمل القول إنه يحمل في نفسه صفات العلماء الذين ملأت مواقفهم المشرفة، صفحات التاريخ الأبيض، نور في البصيرة وقوة في مجابهة الضلال وثقة في قوله الحق وصدق في الإرادة والتصميم.
فشكر الوزارة الأوقاف لدأبها على استضافة العلماء العاملين مساهمة في بث الوعي ونشر العلم وبعث الإسلام من جديد”.