أيام في الربوع العربية (10)

أيام في الربوع العربية (9)
4 نوفمبر, 2024
أيام في الربوع العربية (11)
10 ديسمبر, 2024

أيام في الربوع العربية (10)

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

ثم رجعنا من هذا الجامع قبل المغرب وصلينا المغرب في مسجد قريب للفندق، وفندق عمان هذا الذي نقيم فيه من فنادق الدرجة الأولى ويسمى “إنتر كونتيننتال” (فيما بين القارات) وله عشرات من أمثاله في المدن العظمى من أقطار العالم كلها، وتسمى بهذا الاسم بإضافة اسم البلد الذي تقع فيه، وأكثر من ينزلون فيها هم الزوار الأجانب ممن يؤثرون الفنادق الأرستقراطية ليجدوا فيها كل أسباب الراحة والهوى من أطعمة وأشربة وملاه، وهي لا تلائم المحافظين من المسلمين لبيئتها الحرة ولكنهم قد يلجأون إلى النزول فيها لعدم توفر أسباب الإقامة الملائمة لمستوى عملهم، فقد لجأ الوفد إلى الإقامة في أمثالها في بيروت وبغداد والكويت وغيرها.

وكان من أهم برامج اليوم الثاني زيارة مسجد الجامعة وعدد من المراكز الإسلامية الأخرى، فتوجه الوفد إلى منطقة الجامعة وهي في طريق دمشق، والجامعة في عمان حديثة العهد، والدراسة فيها على مستوى ليسانس وحده، ولا تزال أبنيتها في دور البناء ومنها مسجدها الذي تقوم ببنائه وزارة الأوقاف بميزانية كبيرة، ولقد كان في رغبة وزارة الأوقاف أن يكون المسجد في وسط المنطقة ليكون قريبًا إلى جميع أطراف المنطقة، ولكن مسئولي الجامعة لم يرضوا بذلك، وذلك يرمز إلى أن الاتجاه السائد في أوساط الجامعة اتجاه مجاف للميول الإسلامية كعادة أكثر الجامعات في العالم، فإنها تكون في أغلب الأحوال مسرحًا للادينية والتطرف، بل للإباحية والخروج على القيم المألوفة وذلك للتأثير الأوربي المعاند للإسلام والشرق، فقد أبتليت به بلاد الشرق والإسلام منذ أمد قريب، ومما يؤسف له أن أوربا تجد في الشرق أنصارًا أوفياء لها بكل يسر وفي كل مكان، ويكون هؤلاء الأذيال أشد نشاطًا في الأعمال الهدامة حتى من أسيادهم، ويؤسفنا كثيرًا أن الأردن الحبيب أيضًا يعاني من الغزو الأوربي ويواجه الضغط طلبًا لأن تهجر القيمة الإسلامية والشرقية، ومن أمثلة ذلك أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية معالي الدكتور إسحاق فرحان بحكم كونه من رجالات التعليم كان يقوم بمسئولية وزارة المعارف أيضًا فلم تساعده الأحوال فلجأ إلى الاكتفاء بوزارة الشؤون الإسلامية وحدها، مع أنه لعب دورًا مفيدًا في مجال التعليم الأردني ويلعب الآن دورًا عظيمًا في شؤون الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولكنه يشعر – على أساس ما فهمناه – بأن الاتجاهات اللادينية في البلاد تقوم بمعارضته الخفية، فلا يعلم إلى متى يتمكن من البقاء على النشاط الذي يقوم به في مجالات التربية والفكرة الإسلامية.

على كل فقد زرنا مسجد الجامعة الذي تبنيه وزارة الأوقاف، وإنها تريد بذلك إحداث جو ديني مفيد في منطقة الجامعة، فنتمنى لها التوفيق والنجاح في مشاريعها الإسلامية الخيرة، وزرنا بعد الظهر جميعة المركز الإسلامي الخيرية، ويشرف عليها سيادة الأستاذ عبد الرحمن الخليفة رئيس جمعية الإخوان المسلمين في الأردن، وهو رجل مؤمن صاحب فكرة إسلامية صحيحة مليئ بالنشاط والحيوية والإخلاص للعمل الإسلامي وقد زار ندوة العلماء فعرفناه عن كثب وأحببناه لحبه للإسلام والعمل الإسلامي.

ثم زرنا مكتب المؤتمر الإسلامي لفلسطين وهو الذي أنشأه الدكتور سعيد رمضان في سنة 1955م بتعاون المغفور له فضيلة الدكتور مصطفى السباعي، وبتعاون غيره من رجالات الفكرة الإسلامية في العالم العربي الإسلامي، وكان نشاطه في بداية عهده كبيرًا، ثم خف لأسباب مختلفة ويعمل المؤتمر الآن تحت إشراف سعادة الأستاذ كامل الشريف وهو أحد العاملين في الحقل الإسلامي منذ قديم، ويمكن لهذا المؤتمر أن يؤدي دورًا مهمًا إذا واتته الأسباب المطلوبة لتنفيذ مشاريعه.

وبعد المغرب توجه الوفد إلى “المجمع” وهو دار أعدت للمآدب والاجتماعات الخاصة في عاصمة الأردن، وقد أعد فيه معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور إسحاق فرحان مأدبة عشاء كبيرة تكريمًا للوفد واجتمع فيها نخبة طيبة من رجالات عمان.

وفي اليوم الثاني توجه الوفد إلى بلدة السلط للمحاضرة التي كان يلقيها بعد صلاة العصر فضيلة الأستاذ أبو الحسن الندوي بعنوان “نظرات إلى الإسلام” في ضمن المحاضرات التي نظمتها وزارة الأوقاف لموسمها الثقافي وكانت حفلة مشهورة أنصت فيها الحاضرون للمحاضرة وأعجبوا بها، فقد كانت صريحة ومنبهة للعرب وخاصة لأبناء هذه المنطقة المجاورة لفلسطين، فقد ذكر فضيلة الأستاذ فيها انتماء العرب إلى شأنمأس

أسلافهم الغزاة الفاتحين والدور العظيم الذي لعبوه من فتح هذه البلاد بعزمهم وإيمانهم ولفت نظرهم إلى أن مسئولية استعادتها من الغاصب وإعادتها إلى الإيمان إنما تقع على أعناقهم وهم أبناء أولئك العرب المؤمنين وذكر أن السلاح الأكبر في معركة العرب مع أعدائهم هو الإيمان، وضرب لهم الأمثلة بما صنع الرسول عليه السلام في موقعة بدر وكيف حارب المسلمون فيها أعداءهم وذكر لهم ما وقع لجيش المسلمين في قيادة سيدنا سعد بن أبي وقاص عند عبورهم لنهر دجلة إلى ضفة مدائن ويقع بلد السلط في غرب مدينة عمان.

وفي الليل أقام سعادة كامل الشريف مأدبة عشاء تكريمًا للوفد في منزله.

ولقد تعاونت وزارة الأوقاف للشؤون الإسلامية في تدعيم عمل الوفد في إيران وتنظيم برامجه وجولاته، وكان لأعضاء أسرتها في هذا التعاون دور مهم كبير.

فمن حسن حظ الوزارة – وهي اليوم تحت إشراف وتوجيه معالي الدكتور إسحاق فرحان المحترم – أن جمعت في أسرة عامليها شخصيات إسلامية طيبة لمناصرة الفكرة الإسلامية وتثبت قواعدها البلاد، مثل وكيل الوزارة سعادة الأستاذ عبد خلف الداودية، والأستاذ عز الدين الخطيب التميمي رئيس تحرير مجلة الوزارة، والأستاذ علي فريج والأستاذ الدكتور عبد الله عزام، والأستاذ رفيق الدجاني كبير خبراء الآثار في الأردن وغيرهم، وقد وجدنا فيهم روحًا دينية طيبة وحماسًا للإسلام وحبًا لرجال الفكرة الإسلامية في العالم الإسلامي، وتشهد بذلك الكلمة التي تفضل بكتابتها الأستاذ التميمي في مجلة الوزارة “هو الإسلام” في افتتاحيتها فإنها تنم قبل كل شيء عن حب صاحب المجلة ومشرفها لكل من يخدم الإسلام ويعمل له، فقد كتبها الأستاذ التميمي ترحيبًا بزيارة وفد الرابطة للأردن الحبيب وسجل فيها حبه برئيس الوفد فضيلة الأستاذ أبي الحسن ونعد الكلمة في حساب حبه لفضيلة الأستاذ على أساس العمل للإسلام، ونص الكلمة في العدد القادم إن شاء الله تعالى.

×