الأستاذ جعفر مسعود جزء من التاريخ (4/ الأخيرة)
22 يونيو, 2025رائد الدعوة الإسلامية في كوريا الجنوبية الشيخ عبد الوهاب زاهد رحمه الله تعالى
مبين أحمد الأعظمي الندوي
توفي يوم السبت، 19 يوليو 2025م/ 24 محرم 1447ه، الداعية السوري الكبير، المغترب في كوريا الجنوبية لأجل الدعوة، ومفتي المسلمين فيها، الشيخ الدكتور عبد الوهاب زاهد الحلبي الندوي، الذي قضى أكثر من أربعة عقود من حياته في نشر الإسلام في كوريا الجنوبية، فاعتنق على يديه الآلاف من الكوريين. وكان ذا علم غزير، ومعرفة واسعة، في علوم الشريعة من التفسير والحديث والفقه، إلى جانب تمتعه بالورع والتقوى، والفكر الإسلامي السديد، وروح العمل والجهد من أجل الإسلام، والنصح للأمة. وكان الشيخ عبد الوهاب على علاقة ودية أخوية مع علماء الهند في مقدمتهم سماحة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي والسيد محمد الرابع الحسني الندوي، والسيد محمد واضح رشيد الحسني –رحمهم الله–.
مولده ومنشؤه:
وُلد الشيخ عبد الوهاب زاهد في حلب السورية عام 1941، ونشأ نشأة صالحة دينية، واهتم والده بتعلميه مبادئ الدين الإسلامي، واللغة العربية كلغة حية نابضة، فكوَّنه كلُّ ذلك شخصاً لا يهمه إلا الدين وما يصب في صالح الإسلام.
رحلاته لأجل الدراسة:
تعلم أولاً على علماء حلب، ثم سافر إلى مدينة لكناؤ الهند سنة 1968م، وتلقى العلوم الشرعية في دار العلوم لندوة العلماء، واستفاد هناك –بشكل خاص– بالمفكر الإسلامي الداعية الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، فدرس على يديه التفسير العظيم لابن كثير، واسترشده في السلوك والإحسان. كما أنه لازم المحدث الكبير الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، فأقام في منزله في بلدة مئو، وقرأ عليه الكتب الستة، ثم سار إلى دار العلوم بديوبند، وتلمذ على كبار الأساتذة بها أمثال الشيخ المحدث فخر الدين أحمد، والشيخ المقرئ محمد طيب –رحمهما الله–، ومن أساتذته الآخرين بالهند: المفتي محمد ظهور الندوي، والأستاذ محمد إسحاق السنديلوي الندوي، والمحدث الجليل الشيخ حبيب الله البالنبوري وغيرهم. ثم توجه إلى باكستان، ودرس في جامعة كراتشي، وجامعة السند في حيدر آباد، ومن علمائها الكبار الذين درس عليهم; الشيخُ محمد يوسف البنوري –رحمه الله تعالى–، ثم شد رحاله إلى مصر، والتحق بجامعة الأزهر، وتخرج في كلية أصول الدين بها ونال شهادة الدكتوراه في موضوع “الفقه المقارن”.
في مجال العمل:
شغل الإمامة والخطابة في جامع البختي في حلب، ثم التدريس بدائرة الإفتاء في المدينة نفسها، ثم الإدارة للمدرسة الشرعية في عفرين، ثم جاء إلى السعودية وعمل أستاذاً في السعودية، في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وفي كلية الشريعة في الطائف، وترأس قسم الدراسات العليا في الجامعة الفاروقية في كراتشي بباكستان. وفي عام 1980م، عرض عليه منصب القضاء لإمارة أبو ظبي، ولكنه اعتذر عنه لمكان خطورة المنصب. كما أنه عمل باحثاً في الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويتية.
رحلته إلى كوريا
أثناء عمله في الموسوعة الفقهية في الكويت، سمع من وزير الأوقاف الدكتور أحمد سعد جاسر عن زيارة وزير كوري يطالب عالِماً لتعريف الكوريين بالإسلام، وهو يقول: “نحن نموت على الكفر، لا ترسل لنا من يعلمنا الإسلام”. فما إن سمع الشيخ عبد الوهاب هذا الكلام، حتى قال: أنا أذهب، رفض الوزير في البداية، ولكن الشيخ ألح، حتى وافق الوزير. وهكذا ترك الشيخ عبد الوهاب وظيفة قيمة مريحة في الكويت، وسافر إلى كوريا الجنوبية عام 1984م، وهو لم يكن يعرف عنها شيئًا، بل ظن في البداية أنه متجه إلى دولة إفريقية. فلما نزل في مطار كوريا الجنوبية، تفاجأ برؤية أناس صفر البشرة، ذوي عيون ضيقة آسيوية، فتبين أنها غير ما كان يتوقع، وهكذا وصل الشيخ عبد الوهاب إلى بلاد غالبية سكانها الملحدون والبوذيون والنصارى، ولم يكن من المسلمين فيها إلا عدد ضئيل معدود على الأصابع.
جهوده الدعوية والعلمية
استقر الشيخ عبد الوهاب في كوريا الجنوبية، وتفرغ لنشر الإسلام منذ ذلك الحين، وكان من الضروري له – من أجل تعريف أهل تلك البلاد بالإسلام– أن يعرف لغة كوريا، ويعرف ثقافتها، ومعتقدات أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم في يومهم وليلتهم، فدرس كلَّ ذلك بعمق، واكتشف جوانب إيجابية وسلبية للكوريين، مما مكنه من تعريفهم بالإسلام، والجدير بالذكر أن الشيخ عبد الوهاب زاهد بدأ دعوته متعاوناً مع عدد من الدعاة المحليين أمثال الداعية قمر الدين مُون، والداعية سليمان لي، لتنظيم لقاءات، وتأسيس مجموعة دعوية كورية. وهكذا بدأ دعوته، واهتم –بصورة خاصة– بتأسيس المساجد، والمصلَّيات، والمراكز الإسلامية، فالمساجد التي تم بناؤها بفضل جهوده ينيف عددها على سبعين مسجداً، وآثر إقامته في المسجد أيضاً، وكان يقول: “لن أفارقه حتى يتوفاني الله”.
أَّلف الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي أكثر من ثلاثين كتاباً، معظمها باللغة الكورية، وباقيها باللغة العربية، أو الإنكليزية. منها: “الإسلام دين السلام”، و”معاملة المسلم لغير المسلم”. ومنها كتبٌ عن حياة الأنبياء آدم، ونوح، وإبراهيم، عليهم السلام، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وفي مكة والمدينة. كما أنه تناول في كتبه موضوع العقيدة، والصراع بين الخير والشر، وتمييز الحق من الباطل. ومن خصائص كتبه أنها بأسلوب سهل بسيط يناسب القراء الكوريين.
ويُذكر أنه قام شخصياً بتوزيع كتبه على الناس، على اختلاف الأصناف والطبقات، وفي المعابد، والكنائس، والدوائر الحكومية، مما أدى إلى إسلام عدد من الشرطة والجنود كذلك. وكما بيَّن أحد الكُتَّاب عن شخصيته: “أسلم في أحد مساجده ما يقرب من ألف شخص، وأعداد أخرى في كل مسجد أسسه”. ومن إنجازاته في مجال الدعوة، إسلامُ كبير قساوسة اتحاد الكنائس البروتستانتية في كوريا الجنوبية السيد شين الذي تسمى عمر شين، وأسلم بفضله عدد من أتباعه. وكان يفتخر بالمسلمين الجدد في كوريا، ويقول: “سيكونون أمامي يوم القيامة”.