آداب الصيام ورمضان
17 مارس, 2024أهوال يوم القيامة
6 يونيو, 2024فضل العلم ومكانة العلماء
عبد الرشيد الندوي
عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك أي أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا قال: ما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به، أخذ بحظ وافر.
تخريج الحديث: أخرجه أحمد (21715) والترمذي (2682) وأبو داود (3642) وابن ماجه (239) وحسنه المحقق شعيب الأرناؤوط وأصحابه في التعليق على مسند أحمد نظرا إلى شواهده المتفرقة في أحاديث محتلفة وكذا حسنه الألباني في صحيح الترغيب وغيره وقد فصل في تخريج “العلماء ورثة الأنبياء” الزيلعي في نصب الراية.
شرح الحديث: إن هذا الحديث الشريف قد نوه بفضل العلم وشرفه ومنزلته أيما تنويه، وأشاد بمكانة العلماء وحملة العلم والمعرفة أيما إشادة فقد جعل سلوك طريق العلم ممهدا لطريق الجنة وأخبر عن رضا الملائكة وتواضعهم لطالب العلم، واعتبر العلماء ورثة الأنبياء، وفضل العلماء على العباد والزهاد، قال ابن رسلان: (وإن العلماء ورثة الأنبياء) وحسبك بهذِه الدرجة مجدًا وفخرًا، وبهذه الرتبة شرفًا وكرمًا، فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة لا شرف فوق وارث تلك الرتبة، والعلماء ورثوا الأنبياء في سياسة إصلاح الخلق وإرشادهم إلى النجاة في الدنيا والآخرة، فالسياسة على أربع مراتب:
الأولى: وهي العليا: سياسة الأنبياء وحلمهم على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم.
والثانية: الخلفاء والملوك وحكمهم على الخاصة والعامة جميعا، ولكن على ظاهرهم لا على باطنهم.
والثالث: العلماء بالله وبدين الله الذين هم ورثة الأنبياء وحكمهم على باطن الخاصة ولا تستطيع قوتهم على التصرف في ظواهرهم بالإلزام والمنع، وأشرف هذِه السياسات الأربع بعد النبوة إفادة العلم وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة المهلكة، وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة والمسعدة، وهو المراد بالتعليم، فتعليم العلم من وجه عبادة لله، ومن وجه خلافة لله، وهو أجل خلافة، فأية رتبة أجل من كون العبد واسطة بين الله وبين خلقه في دلالتهم عليه وتعريفهم إياه «شرح سنن أبي داود لابن رسلان» (15/ 69) وقال الشيخ ملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (1/ 297):
«وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى كَمَالِ تَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ طَالِبَ الدُّنْيَا لَيْسَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْوَرَثَةِ، وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَقَلُّ الْعِلْمِ بَلْ أَقَلُّ الإِيمَانِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَأَنَّ الْعُقْبَى بَاقِيَةٌ. وَنَتِيجَةُ هَذَا الْعِلْمِ أَنْ يُعْرِضَ عَنِ الْفَانِي وَيُقْبِلَ عَلَى الْبَاقِي».