حق القرآن في شهر القرآن
16 أبريل, 2022الأمانة
18 يونيو, 2022منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (5)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي
وعلى رأسهم شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الذي يجله كبار السلاطين في عصره ويحترمونه إلا أنه كان من عادته عدم الحضور في مجالس الخلفاء والأمراء فيأتي إليه الملوك ويشاورونه في أمور السلطة وإدارة البلاد وإذا أصروا عليه بالحضور حضر بإرادة مناصحة الملوك وتوجيههم إلى وجهة رشيدة في إدارة البلاد وأشار عليهم بما ينفع الإسلام والمسلمين.
ومن مأثرة الشيخ أنه أشار السلطان الملك الأشرف بمحاربة التتار وإزالة ما تفشي في البلاد من المنكرات ومنع المحرمات ورفع المكوس عن المسلمين وإبطال القاذورات فامتثل السلطان لأمره وتقدم فورا بإبطال ذلك كله.
ولما توجه التتار إلى مصر وتسرب إلى نفوس سكانها الخوف والهلع حتى فقد سلطان مصر قوة الدفاع عن وطنه وتثبطت همته فشجعه الشيخ وعرّفه أهمية التوكل على الله والاعتماد على قدرته وقال: أخرج، بسم الله معتمدًا عليه وأنا أضمن لك الفتح في المعركة فاعتذر بقلة ماله فقال له: تصدق بما فيه أيدي الحرم الملكي من الجواهر والحلي فجمعت هذه الأموال وضربت سكًا ونقدًا وأنفقت في تجهيز الجيش لمحاربة التتار وقد رزقه الله سبحانه وتعالى هيبة في القلوب ورعبًا في النفوس فلم يمتنع أحد من الملوك والأمراء من التصدق بما في أيدي أزواجهم من الحليّ والجواهر وكفت نفقة الحرب، وبفضل مشورته وحسن تدبيره حصل للمسلمين الفتح المؤزر في معركة “عين جالوت”.
وقد ولي عدة سلاطين في عصره وأماالشيخ فقد ظل مستمرًّا على طريقته من مناصحة الأمراء وإرشادهم إلى معاني الخير والفضيلة ومنهم الملك الظاهر بيبرس الذي كان يحترم الشيخ ويحله مكانًا ساميًا ولا يصدر إلا عن رأيه وقد أصدر أوامر هامة بإشارته وهجم على التتار هجمات متتالية وحصل على الفتح المؤزر.
وزخر تاريخ الهند بوجود العلماء والمصلحين والمجددين الذين كانت لهم مواقف مرموقة في الجرأة بالحق ومناصحة الحكام والملوك في كل مناسبة، وعلى قائمتهم مجدد الألف الثاني الشيخ أحمد السرهندي الذي نهض لإصلاح ما أفسده الامبراطور المغولي أكبر من فرض الدين الجديد “دين إلهي” على الرعية وهتك المحرمات وقلب الفكرة الإسلامية السليمة، وكان هذا المناخ الفاسد المنقلب المملوء بالفوضى الفكري كان أكبر تحد في عصر الشيخ السرهندي، فقام لمواجهة هذه الأزمة وأدء هذه المسؤولية الضخمة وظل مستمرا بنشاطاته الدعوية والإصلاحية وتوجيه رسائل التذكير إلى الأمراء والمقربين عند الملك حتى بلغ مرامه من استئصال شأفة الشر من جذورها، ومن فضل جهود الشيخ السرهندي كذلك أن تأثر به السلطان جهانكير وتولدت فيه نزعة دينية جديدة وعناية بأوامر الإسلام. وهكذا أعاد الشيخ بناء الإسلام وجدده بعد ما دمره الملك أكبر.
وتولى الخلافة بعد جهانكير ابنه شاهجهان وكان يهتم بأداء ما عليه من الفرائض الشرعية، ويدني العلماء والصلحاء ويكرمهم ويصب عليهم من نعمه، وقام بفرض الحظر على بعض ما يخالف الشرع من الطقوس والعادات، وتولى الخلافة بعده الملك الصالح المصلح أورنك زيب الذي لقب بـ”سادس الخلفاء الراشدين” بعدله وعفافه وورعه وصلاحه، وكان تلميذاخاصا لابنه خواجه محمد معصوم ومن مسترشديه، وأمر ابنه سيف الدين على طلب من الملك أورنك زيب أن يقيم في مدينة دلهي، يقوم بأعمال دعوية إصلاحية تربوية فقام وأحسن القيام.
ومنهم المحدث الشاه ولي الله الدهلوي الذي عاصر الدولة المغولية في محتضرها وفي أواخر أيامها إلا أنه حاول ما أمكنه من تعزيز كيانها وإصلاح ما فسد منها واستكمال ما نقص من قوتها فنصح الملك ووجه الرسائل إلى أمير الأمراء النواب نجيب الدولة وأشار عليه بأمور عسكرية ودولية، وبدعوة منه قصد السلطان أحمد شاه الأبدالي الهند وهزم المرهتة هزيمة نكراء وحاول استجماع ما انتشر من قوة الدولة المغولية ثم انصرف إلى وطنه.
منهج الشيخ الندوي في مناصحة الحكام:
وفي العهد الأخير برز الإمام السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي من بين أصحاب الدعوة والإصلاح بمنهجه الجامع المعتدل وطريقته الحكيمة العادلة ونهض لمهمة مناصحة الحكام والامراء وتزويدهم بالفكرة الإسلامية وتقريبهم إلى المناهج الإسلامية بأسلوب هادئ رزين، وتكوين سلوكهم بالتعاليم الإسلامية، وقد نشأ الشيخ في بيئة دينية علمية وتشرب حب التاريخ الإسلامي الممتد على القرون من نعومة أظفاره،وكان في بيته مكتبة واسعة تشتمل على كتب التاريخ والأدب فدرسها بشوق واستفاد منها خلال أيام التعليم ثم لما تخرج في دار العلوم لندوة العلماء أكب على مطالعة الكتب التاريخية والأدبية وتاريخ الأديان والمذاهب والفرق كما درس بجدية كتب الفكر الإسلامي والصحف والمجلات التي تتحدث عن الأوضاع المعاصرة في العالم حتى ازدادت خبرته وتوسع نطاق علمه ثم مال إلى دراسة اللغة الإنجليزية حتى حصلت له فيها ملكة صالحة للاستفادة المباشرة من الكتب الإنجليزية وقد رزقه الله سبحانه وتعالى موهبة علمية وذوقا صالحا لدراسة التاريخ كما رزقه لوعة الدعوة إلى الله سبحانه بحكم نشأته في بيت علم ودين يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وزادته دراسة الكتب الإسلامية والتاريخية شوقًا إلى نشر الدعوة الإسلامية لأنه درس التاريخ بإمعان وقصد منه بث الفكرة الإسلامية ونشر الدعوة الدينية وسبر وهاده وأنجاده وغربل حقائقه فاستخرج للأمة كنوزًا غالية وجواهر ثمينة لا تصل إليها أنظار الدارسين عامة، استفاد الشيخ الندوي من التاريخ الإسلامي لأصحاب الدعوة والإصلاح والتجديد الممتد على القرون واطلع على ما مرت بهم من الظروف والأزمات الشديدة في حقول الدعوة الإسلامية واستخدم تلك التجارب في تطبيق منهج الدعوة والإصلاح وقد قدم الشيخ الندوي بفضل دراسة التاريخ مناهج الدعوة التي تظل منارة نور وهداية للعاملين في حقل الدعوة والإرشاد.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي: نحن ندرس كتب السيرة والتاريخ فنمر بها مرًا سريعًا إلا أن الشيخ الندوي فيستخرج من بحره جواهر ودررًا لا تصل إليها الأنظار.(يتبع)