العقيدة والاستقامة
10 ديسمبر, 2024بناء الإنسان المسلم
3 فبراير, 2025ليس الإنسان سلعة تباع!
سعيد الأعظمي الندوي
عصرنا الذي نعيشه اليوم، يتميز بطغيان المادية على جميع القيم الخلقية والسلوكيات الرفيعة، فتمر بنا أمثلة من هذا الواقع لا يكاد يتحملها شخص يتسم بالغيرة الإيمانية، وربما يفقد عقله بمجرد سماع قصص وحكايات لها علاقة بمكسب مادي أو عمل يدر بعض المنافع في سوق يباع فيها الإنسان كسلع تجارية فقط، فهذا رجل يعيش في سوق المناداة ويتجر بما يتصل بالجمال الظاهر وأدوات الشهوة النفسانية الموقتة، ويربح بذلك ما يشفي غليله من رفاهية الحياة، وهناك شخص آخر يتاجر بالأجسام الجميلة، والأعضاء الغضة الطرية، في سوق المادية الطاغية، فهو لا يبالي بما إذا باع عرضه وعرض نسائه وبناته بدراهم بخس معدودة دون حياء أو خجل، وقد يواجه أثناء ممارسته هذه التجارة البغيضة، أوضاعاً شاذة يساق فيها إلى سجون المجرمين وزنزانة القتلة المغرضين، كما أن هناك من عندهم مران على الغش والخيانة في كثير من شئون الحياة، وهم يتعرضون للناس بلباس الناصح الخير الأمين، وتلك هي عادتهم التي ألفوها فلا يرون بأسًا فيما يمارسونه من أعمال، وإن كانت على حساب القيم الإنسانية والإيمانية.
وهناك نوع آخر من تجار العقل والضمير ممن يتاجرون بهذه الجوهرة الغالية التي أكرم الله سبحانه بها الإنسان وميزه بها بإزاء خلق آخر، أمثال هؤلاء المتاجرين يتحينون الفرص والمناسبات للمساومة، وإذا بهم يبيعون هذه السلعة الغالية بأثمان باهظة ولا يكتفون بهذا العمل التجاري مرة أو مرات، وإنما هو دأبهم كلما سنحت له فرص، أو عرضهم من هو بحاجة إلى الاستعانة بأمثال هؤلاء المتاجرين تحقيقاً لبعض أغراضه الرخيصة، ولاسيما في الشئون السياسية والاقتصادية التي يستغلها الناس على جميع المستويات، بل الواقع أن هذا البيع له ازدهار عظيم في الدول المادية العالمية وأسواقها.
أما بيع اللسان وحده فهو شايع في أوساط الجماهير والأحزاب المحلية والإقليمية، فإذا كنت بحاجة إلى وكيل يثنى عليك ويبين مزاياك في مجالات الحياة المختلفة فهو متوافر لهذه الخدمة تجاه ثمن مقرر بين المادح والممدوح، وإن شئت أن تستعمله لتبادل السبائب والشتائم تجده متهيئاً لذلك، وقد يشتريه شخص معاد يستغله لأداء هذه الخدمة ضدك، ولاسيما في مجال السياسات الرخيصة.
وهنا نوع ذو أهمية كبيرة من تجار القلم، تراهم محترمين في جميع الأوساط، يعرفهم الناس أصحاب الكلمة الصادرة من لسان القلم، وقد مُنحوا قدرة على استعماله حيثما شاؤا، فهم ليسوا كالسلع التجارية العامة، إنما هم مثمنون بكتاباتهم، فيشترى منهم القلم البليغ بثمن غال لإحقاق حق وإبطال باطل، وهذا الحق والباطل يتغير بتغير المواسم والمناسبات والنظرات والأيديولوجيات، فقد يكون الحق الذي أثبته لنفسك، يكون باطلاً لدى منافسك، وبالعكس باختلاف الحاجات والأجواء، أما صاحب القلم المتاجر فهو لا يحفل بما إذا جرى قلمه في حقك الذي هو باطل لدى منافسك أو جرى في إبطال ما تزعمه باطلاً ولكنه إحقاق حق لدى غيرك، وهذا ما يسمى بالقلم المأجور، وما أكثر انتشاره اليوم، ولا ينحصر نطاق هذا القلم في الشئون الموقتة فحسب، وإنما له نشاط ودور بالغان في تأليف كتب لكل من شاء، وفي أي موضوع أراد، وفيه أيضاً يتبادل الحق والباطل فهذا الكتاب في إحقاق حق، والثاني في إبطال الحق نفسه، ولا بأس بما إذا جرى القلم هذا المجرى، فإنه قلم مأجور، ولكن هذا العمل ليس مما يسمح به تعاليم الإسلام، ذاك أن يبلغ المرء إلى درجة الكمال في بيع وشراء الأقلام.