بناء الإنسان المسلم

ليس الإنسان سلعة تباع!
24 ديسمبر, 2024

بناء الإنسان المسلم

سعيد الأعظمي الندوي

بناء الإنسان وحده أهم وأفضل غاية لها من القيمة والعظمة ما لا ينكر في أي طبقة من الناس ولا في أي فترة من التاريخ، أما بناء الإنسان المسلم فذاك ما توخاه الإسلام وأمر به في جميع تعاليمه وتوجيهاته التي خاطب بها البشر، وقد عبرعن هذه الغاية المثلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصيحة التي أتحف بها الناس فور بعثته كخاتم الرسل ورحمة للعالمين، فقال: “الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

هذه النصيحة إذا قامت على أساسها حياة المسلم وعمت جميع جوانب حياته ولم تترك عوزًا ولا خللاً إلا سدته، فكأنها أقامت الحياة على أفضل ما يطلبه إنسان، وبالتالي فهي تبنى إنسانًا مثاليًا يجمع بين الفضائل والأخلاق، والقيم والأقدار، والصفات والخصائص التي يتميز بها الإنسان المسلم عن غيره من الناس.

هذا الإنسان المسلم الذي يحلم به كل مسلم غيور مخلص ناصح أمين، لا يوجد إلا بإيجاد الجو الإسلامي الخالص بإحياء جميع الصفات النبيلة والميزات الخلقية التي يوجه إليها الإسلام، إنه لا يوجد إلا ببناء السيرة الإسلامية العظيمة التي تتمثل في الفرد والمجتمع، والواقع أن الإسلام كان ولا يزال يوجه الإنسان إلى ما يتفق وطبيعته وينسجم مع الفطرة الإلهية، وعلى اتباع توجيهاته وتنفيذها في الحياة والمجتمع ووضعها موضع الاعتبار في جميع المناسبات الفردية والاجتماعية يتوقف بناء الإنسان المسلم، والذي يتمنى أن يقوم بهذا العمل المبارك ويحرز قصب السبق في هذا المجال فعليه أن يفسح الطريق للإسلام بجميع توجيهاته وتشريعاته وبجميع أوامره ونواهيه إلى حياته وحياة أهله وأتباعه حتى يتمثل فيه الإنسان المسلم قبل كل شيء، ثم يتبعه الناس جميعًا ويسيرون خلفه، ويعتبرونه إمامًا وقائدًا، يقتدونه، ويمتثلون أوامره، ويقلدون حياته، وهنالك يتسع النطاق من أسرة إلى أسر كثيرة ومنها إلى مجتمع ومدينة وبلاد بأسرها، وهكذا كان الإسلام وهذه طبيعته.

إنه قدوة وعمل ونموذج والناس يترقبون أن يروا القدوة فيتبعوها، ويروا السيرة فيقلدوها، ويروا النموذج فيطبقوها على الحياة الفردية والاجتماعية، والذي ينقص اليوم هو القدوة والسيرة والنموذج، أما القول والشرح والبيان فكل ذلك كثير، ولا يزال يتسع مجاله ونشاطه على مر الأيام، وتدخل فيه التحسينات والزيادات والآراء والاقتراحات الجديدة الحديثة، فذلك يتضخم ويتكاثر ولكن على حساب العمل، والقدوة.

بناء الإنسان المسلم الذي يمثل الإسلام بكل ما فيه من معنى ومغزى من سعادة العالم البشري كله إذ لاشك أن هذا العالم شرقًا وغربًا يزخر بكل نوع من العلم والصناعة والعقل المبتكر، وبكل تقدم هائل في مجالات الحياة من رفاهية النفس إلى سمو الفكر والوجدان، ولكن الذي يندر اليوم إنما هو الإنسان المسلم.

الإنسان المسلم حاجة العالم الحديث بكامله، فهو الذي يستطيع أن يضع الحد بين الشقاء والسعادة، وهو الذي يتمكن من إعادة الحياة إلى الصراط المستقيم، فقد ضلت الخط السليم وتفرقت بها السبل عن طريق السعادة والإيمان.

وبالإنسان المسلم تتحقق النصيحة التي أرادها الرسول عليه الصلاة والسلام، وتعرف الحياة وجهتها الرشيدة التي تتكفل بالأمن والاستقرار في جميع المجتمعات البشرية في العالم كله.

×