من وحي الهجرة النبوية المباركة
7 أغسطس, 2024نبيُّ الرحمة
23 سبتمبر, 2024غياب القيادة وأزمة الرجال
د/ محمد وثيق الندوي
اغتيل الزعيم الفلسطيني المجاهد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران عاصمة إيران حيث شارك في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد يوم الأربعاء 31/7/2024م، وحظي اغتيال إسماعيل هنية باهتمام سياسي وإعلامي واسع على الصعيدين العربي والدولي، فاغتيالُه يُعدُّ تجاوزًا واضحًا لكل الخطوط الحمراء، ويمثِّل تصعيدًا خطيرًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي كما أشار إلى ذلك أحد كُتَّاب مجلة “المجتمع” الكويتية.
أما الاغتيالات وعمليات التصفية، فإنها استراتيجية أمنية دموية للكيان الصهيوني لاستهداف أبرز القادة والزعماء المعارضين له في فلسطين أو خارج فلسطين، يقول الكاتب سامح أبو الحسن في مقال له نشرته مجلة “المجتمع”: “شهد التاريخُ العديدَ من الاغتيالات التي استهدفت قيادات فلسطينية ومعارضين للمشروع الصهيوني داخل فلسطين وخارجها”.
ويقول سعيد الشهابي في مقال له نشرته “عربي 21″:
” نفذت إسرائيل اغتيالات ومحاولات اغتيال استهدفت قادة وعناصر بارزة من معارضيها، فمنذ العام 1972م تبنّت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سياسة اغتيال المناضلين الفلسطينيين، فاغتيل في تموز/يوليو من ذلك العام غسان كنفاني، المناضل والأديب، بتفجير سيارته في بيروت، ثم وائل عادل زعيتر (ممثل منظمة التحرير) ومحمود الهمشري (ممثل المنظمة في فرنسا). وشهد العام التالي (1973م) اغتيالات إسرائيلية متواصلة، أدت لاستشهاد عدد كبير من المناضلين منهم: حسين أبو الخير وباسل الكبيسي ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وزيد مقصي ومحمد بودية وأحمد بوشيقي. وفي العام 1979م اغتال الإسرائيليون كلا من علي حسن سلامة (قيادي بمنظمة أيلول الأسود) وزهير محسن (زعيم منظمة الصاعقة). أما في الثمانينات فطالت الاغتيالات كلا من فضل الضاني ومحمد حسن بحيص وباسم سلطان (حمدي) ومروان كيالي ماجد أبو شرار وخليل الوزير.
وفي التسعينيات، طالت الاغتيالات عددًا من القياديين الفلسطينيين من بينهم: صلاح خلف وهايل عبد الحميد وأبومحمد العمري والسيد عباس الموسوي (أمين عام حزب الله) وعاطف بسيسو وعماد عقل (كتائب القسّام)، وسعيد السبع، وفتحي الشقاقي ويحيي عياش.
وشهدت السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة اغتيالات بالجملة، من بينهم: جمال عبد الرزاق وثابت ثابت (حركة فتح) ومسعود عياد (منظمة التحرير)، جمال منصور (حماس)، جمال سليم (حماس)، عماد أبو سنينة (فتح)، أبوعلي مصطفى (الجبهة الشعبية)، محمد أبو هنود (كتائب القسّام)، راشد الكرمي (كتائب شهداء الأقصى)، محمود الطيطي (شهداء الأقصى)، حكم أبو عيشة (شهداء الأقصى)، رياض بدير (قائد معركة مخيم جنين)، ياسر سعيد رزق (القسّام)، مهند الطاهر (القسّام)، صلاح شحادة (القسّام)، إبراهيم المقادمة، إسماعيل أبوشنب (حماس)، الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حماس)، عبد العزيز الرنتيسي (أحد مؤسسي حماس)، عز الدين خليل، عدنان الغول (حماس)، إحسان شواهنة (حماس) ومبارك الحسنات”.
وقد قامت العصابات اليهودية والصهيونية العالمية باغتيال “اللورد موين” السياسي ورجل الأعمال البريطاني عام 1944م، لعدم دعمه هجرة يهود بريطانيا إلى فلسطين، والكونت برنادوت عام 1948م في فندق الملك داود بالقدس بسبب موقفه من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تعاونت مجموعات تابعة للوكالة اليهودية مع “الغستابو” الألماني لاغتيال عدد من اليهود لإثارة الرعب بينهم ودفعهم للهجرة إلى فلسطين، وشهدت العراق ومصر عمليات مشابهة لدفع اليهود للهجرة، بما في ذلك فضيحة “لافون” في مصر عام 1954م كما أفادت “المجتمع”.
وفي 31/ يوليو 2024م تمَّ اغتيال إسماعيل هنية في غارة غادرة على مقر اقامته في العاصمة الإيرانية طهران، في الساعة الثانية ليلاً بعد ساعات من عملية اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر بغارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية والذي أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عنها حسب التقارير الصحفية.
فإن الاغتيالات وعمليات التصفية وممارسة جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة وفلسطين كلها، أسوأ بكثير مما خلّفته جرائم النازية، بل إسرائيل هي النازية الجديدة التي ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية على نحو أسوأ وأبشع، وتنتهك المواثيق العالمية، والمعاهدات الدولية، والقوانين الإنسانية والأممية، الأمر الذي حوَّل ضحية الماضي إلى جلاد الحاضر والمستقبل، وذلك كله بدعم صريح سياسي وعسكري من أمريكا والدول الغربية، التي تدعي صيانة حقوق الإنسان، وحرية الفكر، وحرية الرأي، فإن الموقف الغربي يدل على الفاشيّة الغربية كما يدل على العلاقات الحميمة بين إسرائيل والغرب، فربطُ الآمال بالغرب بصدد حلِّ أي قضية عربية أو إسلامية عبث” و”رجع بخفي حنين”.
لقد بلغت القيادات المعاصرة بشعوبها ودولها إلى منزلة الصبيان، كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي بقوله: “فلا يصدر من أفواه قادتها وتصرفاتهم إلا ما يصدر من أفواه وتصرفات الصبيان، أنهم آثروا أن يتقدموا على أكتاف الغربيين، فاغتربوا، فلم يكن حظُّهم في ذلك التغرُّب، بل كان حظُّهم الاغتراب، فأصبحوا غرباء، يعيشون كمساكين؛ بل كأيتام، فطوبى لهم هذا اليتم، ولن يعود إليهم المجد، إلا إذا وقفوا على أقدامهم والاعتزاز بما يملكون من تراث وتجارب، فإن طبيعة هذه الأمة طبيعة دينية ودعوية، ولن يغير الله هذه الأمة إلا بالدين، وذلك هو حكم القرآن، وذلك هو درس التاريخ القديم والأخير، وبالإسلام تعلو، وبدونه تستكين”.
نحن في زمن تقاربت فيه المسافات، واتصلت المجتمعات، وتشابكت المصالح، لسهولة المواصلات، ووجود وسائل الإعلام المتنوعة الحديثة، فيحس المؤمن بغربة وضياع وتمزق، بين عقيدة يعتنقها ويؤمن بها، وبين واقع مخالف لهذه العقيدة، تتجاذبه العقيدة والواقع، فيقف على مفترق الطرق، إما أن ينحرف مع الواقع، ويتخلى عن عقيدته فيتيه مع التائهين، أو يختار العزلة والغربة عن واقعه، فيصبح خطرًا على نفسه، وعلى أمته، ودينه، ومجتمعه، أو أن يدع الأمور تجري على أعنتها، مكتفيًا بنفسه متخذًا موقفًا سلبيًا نحو قضايا أمته، وقضايا الإنسانية، بل وينظر إليها نظرة الكراهية والحقد.
فإن المسألة الحقيقية اليوم هي غياب القيادة المؤمنة الواعية الراشدة المخلصة، وقد أشار إلى هذا الغياب الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في كلمة له ألقاها في “مركز جمعية إنقاذ فلسطين ببغداد” في يوليو عام 1956م، فيقول: “الأزمة أزمة رجال، فأين الرجال؟ وإن كثيرًا من الناس يحرصون على الحكومات، ويعتقدن أنها هي المفتاح، ولكن الحكومة يسيِّرها الرجال، فمن هم هؤلاء الرجال؟ وكيف هم؟ هذا هو داء العالم الإسلامي، فأنتم هيئوا نفوسكم لمعركة المستقبل؛ معركة الأخلاق، والإخلاص، والتضحية، إذا وُجِدَ رجل واحد، يستطيع أن ينسى نفسه، ومصلحته، ومصلحة أسرته، وأصدقائه، وحزبه، ويستهدف مصلحة بلده، وأمّته، لاستطاع أن يحدث انقلابًا”.