الإنسان سيد الكون!

متى سنعود إلى وحدتنا السابقة؟
7 أغسطس, 2024

الإنسان سيد الكون!

سعيد الأعظمي الندوي

كل ما صدر من لسان النبوة ليس إلا وحياً يوحى، وهو يحتوي على دعوة للتفكير في آيات الله تعالى في كل شيء، ففي الإنسان آيات كثيرة ظاهرة وباطنة، فقبل كل شيء في تركيب الجسم وأعضائه وهيئته وقلبه ولسانه وعقله، وآيات في جميع مجالات العمل، سواء في المجال الفردي والجماعي والسلوكيات العامة منها والخاصة، آيات في حركاته وسكناته، ونطقه وعبادته، وعلاقته مع الله تعالى ومع الناس جميعاً، وفي معاشه، وفي نشاطه وتحركاته لنشر الخير ودعوة الناس إلى الدين الخالص، وحثهم على تعلم العلم الذي يؤدي إلى حقيقة الطاعة، والإيمان، والعقيدة، والخضوع أمام سلطان رب الكون.

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

لابد أن تكون الموعظة دعوة إلى الخير مما يحبه الله تعالى ويرضاه، ومنعاً عن كل ما يسخط الله تعالى ويغضبه، وذلك هو الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يغطي جميع الأعمال والأحوال والأمور والظروف والشؤون والاحتياجات التي لا يكاد يستغني عنها الإنسان بل ولا الخلق كله، ومعلوم أن من يعتبر نفسه مسئولاً عن جماعة أو أسرة، ويشعر بأنه قريب العهد بمغادرة الدنيا إلى الآخرة فإنه يفيض في الحديث مع أصحابه وبشيء كثير من التأثير والقوة، ثم يبين لهم الخط الرئيس الذي إذا سلكه وصل إلى الغاية المطلوبة المقصودة، وفاز في حياته بنجاح مغبوط مأمون، وبعيشة مثالية تكون موضع تقليد الناس في كل زمان ومكان، ولذلك فإن الإنسان هو في الواقع محور الكون، ويتبعه الخلق الآخر، وهو المسئول عن دراسة الأوضاع الإنسانية كلها، والتفكير في آيات الله التي خلقها في كل من في السماوات والأرض، وبذلك يعرف موقفه من الدنيا، ويعلم وظيفته فيها، ومكانته بين جميع الكائنات الأخرى: “لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ” (البقرة:99) ويستلفت الله سبحانه أنظار الناس إلى معرفة هذه الحقيقة مراراً وفي مواضع كثيرة من كتابه العظيم، وإن اختلاف الناس في الرزق الواسع والرفاهية وافتقار الناس الآخرين في التوصل إلى منابع الرزق ومواجهة الضيق والشدة، ليس إلا دليلاً على قدرته الكاملة في الخلق والنظام المعيشي، فلو بسط الله الرزق للناس جميعاً لبغوا وتقاتلوا وتهالكوا فيما بينهم وفقدوا الأمن والسلام وامتلأت الأرض فساداً وجوراً “وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ” (الشورى:27-29).

فهل بعد هذه القدرة المتمثلة لرب السماوات والأرض في عباده وبلاده يقدر أحد مهما أوتي من قوة واتساع في الأموال والأولاد، والحكم والسلطة أن يدعى بأنه رب، ولو لمساحة صغيرة من الأرض؟

كلا! “فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” (الشورى:36).

فما أقفرنا نحن إلى تلك الموعظة البليغة التي يعظ بها ورثة الأنبياء علماء هذه الأمة المخلصون في كل زمن وحين.

×