الإنسان سيد الكون!
14 أغسطس, 2024خلق عظيم ولكن أين نحن من هذا؟!
سعيد الأعظمي الندوي
حياة نبينا العظيم محمد خاتم النبيين عامرة حافلة بنماذج عالية رفيعة فريدة من حسن الخلق، فقد شهد الله سبحانه بذلك وقال: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4] فكان في رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأسوة الحسنة ما كان كمدرسة واسعة عظيمة لتربية الناس على خلال الحب والأخوة واللين والثقة، وحسن الظن، والنصح، ومدّ يد العطاء من كل خير إلى الناس جميعًا، وذلك ما يقول الله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” [الأحزاب:21].
ومن لا يدري أنه صلى الله عليه وسلم لقي ما لقي من قومه وبني جلدته وإخوته ورؤساء القوم وسادة القبائل في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ووقايتهم من سوء العاقبة، وشرور النفس، وإنقاذهم من الإشراك بالله بعبادة الأصنام والأوثان، وتحلية حياتهم بعقيدة التوحيد، إنه صلى الله عليه وسلم قد تحمَّل في ذلك من المشاق والمحن ما الله به عليم.
فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (الجبلان المحيطان بمكة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً (متفق عليه).
الله أكبر! ألهذا الخلق العظيم من مثال في تاريخ العالم البشري من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا؟! الله سبحانه وتعالى استنكر ما قد فعله عبد ياليل مع رسوله العظيم عليه ألف ألف تحية وسلام، من سوء الأخلاق الذي قد تأذى به أشد ما يمكن؟ وكان يستطيع أن يأمر ملك الجبال ما شاء ولكنه بُعث رحمة للعالمين فلم يرد لهم إلا الخير، ورجا من ربِّه أن يخرج من أصلابهم من يعبده ويدعو الناس إلى توحيده، وقد حقق الله رجاءه وخرجت أجيالهم موحدين مؤمنين.
وهذا مثال آخر للتحمُّل وحسن الخلق الذي خُص به رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم بين جميع البشر “فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركة أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء. (متفق عليه).
سوف لا يسع تاريخ العالم في أي فترة منه أن يعرف مثالاً لمثل هذه الأخلاق العالية والسلوكيات الرفيعة، ومن أجلها انتشر الإسلام، وانجذب إليه البشر، وقامت لهم حكومات عادلة، ودول آمنة، وذاق الناس طعم العدل والتراحم والتناصح، وقام في كل مكان مجتمع إسلامي يتميز بالخير والجود والعلم والنصح والعطاء، وعاش الناس متحابين بعيدين كل البعد عن إساءة ظن بأي فرد من أفراده ومتنزهين عن أدواء خلقية أخرى، فأثروا في المجتمعات بفعل محاسن الأخلاق وصالح الأعمال، ورحابة الصدر ودوافع الحب والإيثار، ونفع الآخرين ولو بخسارة الأولين من ذوات أنفسهم.
نحن الآن في عالمنا المعاش، مسئولون عن الالتزام بحسن الخلق مع الجميع، مع الأصدقاء والأعداء، مع الأقرباء والأبعداء، مع الإخوة في الدين وغيرهم، مسؤولون عن الالتزام بالأسوة التي أودعها الله سبحانه في سيرته الطيبة وحياته الطاهرة الزكية وأخلاقه العظيمة، وهي الأساس لحياة الإنسان، وهي البنية التحتية لصرح المجتمع الإنساني الشامخ والقاعدة الصلبة للفوز والسعادة بصفة دائمة مع دوام الإنسان في هذه الدنيا، والاستبشار بنعم الآخرة.
“إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ” [فصلت:30].