أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه
6 يونيو, 2024السيد الشاه محمد جعفر الفُلواري الندوي
18 يوليو, 2024الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي وتأليفه “الطريق إلى المدينة” في ضوء حب النبي صلى الله عليه وسلم (2/ الأخيرة)
د. سرور عالم الندوي
يدل هذا الكتاب “الطريق إلى المدينة” على صلة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي العاطفية الجياشة وحبه الصادق الغامر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أروع رواية من روايات الوفاء والفداء، والوجدان والعاطفة، وأعظم تأثيرًا على تاريخ الإنسانية، وهو كان أحب إليه من بين مؤلفاته، كما كتب الأستاذ السيد محمد اجتباء الندوي –رحمه الله– وهو يقول:
“وسألته عن أحب مؤلفاته فقال ” النبوة والأنبياء، والسيرة النبوية، وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، والأركان الأربعة، والطريق إلى المدينة. (أبو الحسن علي الندوي الداعية الكبير والمربي الجليل للسيد محمد اجتباء الندوي، ص: 37).
إن هذا الكتاب يلقى ضوءًا كافيًا على حب المؤلف الخالص وهيامه الشديد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأسلوب عذب رشيق، وهذا الأسلوب يتجلى بغاية الروعة والجمال، حتى حاز بمنتهى السرعة اعتناء العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين، وفي مقدمتهم الأديب الأريب الأستاذ على الطنطاوي رحمه الله، أنه عبر عن هذا التأثر فقال.
” لقد كدت أفقد ثقتي بنفسي، ولكن لما قرأت كتابك يا أخي أبا الحسن “الطريق إلى المدينة” أحسست بالشوق يعود فيعتلج بنفسي، فعلمت أن قلبي ماخلا من جوهر الحب، ولكن هموم العيش وطول الألفة قد غطياه بالغبار، فأزاح كتابك عن جوهره الغبار، وقد أفقدت ثقتى بالأدب حين لم أعد أجد عند الأدباء هذه النغمة العلوية التي غنى بها الشعراء من لدن الشريف الرضي إلى البرعي، فلما قرأت كتابك وجدتها، في نثر هو الشعر إلا انه بغير نظام، فيا أبا الحسن! لك الشكر على أن رددت إلى ثقتي بنفسي وثقتي بأدب لغتي. (من مقدمة الطريق إلى المدينة، ص 10–11).
وإن هذا الكتاب الذي يحتوى على 144 صفحة، وطبع أول مرة بالمدينة المنورة سنة 1385هـ، يشتمل على عدة مقالات ومحاضرات وانطباعات عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة، ورسالته الخالدة.
إن الشيخ الندوي الذي كان داعيًا إلى الله ومربيًا ومرشدًا للشبان والشعب المسلم، كان يتألم لما يصيب الأمة الإسلامية من آلام ونكبات، ونكسات وأزمات، خاصة إذا سيطرت عليها الأفكار والفلسفات الغربية والنظريات المادية البحتة، كانت الشيوعية والإلحاد سائدًا في بعض البلدان الإسلامية وكانت المراكز الدينية تواجه الاضطراب والخلل، وزحفت فيها الأفكار الإستعمارية، وأفسدت عقلية المسلمين، ومصدر قوتهم الروحية فتململ الشيخ الندوي بهذه الأوضاع، ونهض لتقويم الأخلاق الإنسانية وتحطيم الروح الغربية، بالكتابة والخطابة.
وهال المؤلف وأفزعه ضعف العاطفة في هذه البلاد وضعف الصلة الروحية بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطر كبير، يمهد لكل ثورة، ولكل اضطراب، ولكل ضعف، ولكل نوع من أنواع الفوضى، قد تمالأت عوامل كثيرة ودعوات عديدة على تجفيف منابع هذا الحب وإضعافه على الأقل، وأصيبت النفوس بجفاف في الشعور وفي التفكير.
وسری ذلك في الأدب والشعر، وتعدّى إلى الدين ومظاهره، وقد أراد المؤلف أن يكون جنديًا صغيرًا في مهاجمة هذا التيار، وفي إثارة هذا الحب الدفين والعاطفة التي أعتقد أنها كامنة كشرارة في الرماد في كل قلب مسلم، وتغذيتها وتنميتها، فجمع لهذا الغرض ما كتب من مقالات وما ألقى من محاضرات وأحاديث في خلال هذه السنوات (مقدمة الكتاب، ص: 4).
فأقروا الفقرات والقطعات الآتية، وفكروا في ذلك القلم الفياض والقلب الجياش، والفكر السليم والذهن النابغ الذي كتبها وعرضها على الشعب والمسلم لليقظة والنهوض والتفكير والإرشاد والتوجيه، كيف تستعيد هذه الأمة كرامتها المفقودة ومكانتها العالية، ترفرف عليها راية السيادة والاعتزاز، فأقروا هذه القطعة كيف يتجلى فيها الحب الخالص والإيمان الصافي.
“إن محمدا صلى الله عليه وسلم وهو آخر المتصلين بهذا المنبع، وخاتم الأنبياء والمرسلين الذي نسخ الله به الأديان ونصبه اماما لكل زمان ومكان وهو أجمعهم لصفات النبوة والكمالات البشرية، ومعاني الحسن والإحسان وهو المثل الكامل للبشر في كل عصر ومصر، وان دينه الذي جاء به هو رسالة كل عصر، ودواء كل داء، فلا يتم الايمان بالله ولا يمكن الوصول إليه إلا بالإيمان بالرسل عامة وبمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة”. (ص: 90).
وكذلك يظهر حبه الخالص الدفين بهذه الكلمات الطيبات تحت عنوان “وفود الأمة بين يدى نبيها صلى الله عليه وسلم “:
“أبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالته ودعوته الفرد الصالح المؤمن بالله الخائف من عقاب الله الخاشع الأمين المؤثر للآخرة على الدنيا، المستهين بالمادة المتغلب عليها بإيمانه وقوته الروحية، يؤمن بان الدنيا خلقت له وأنه خلق للآخرة، فاذا كان هذا الفرد تاجرا فهو التاجر الصدوق الأمين، واذا كان فقيرا فهو الرجل الشريف الكادح، وإذا كان عاملا فهو العامل المجتهد الناصح، واذا كان غينا فهو الغني السخي المواسي، واذا كان قاضيا فهو القاضي العادل الفهيم واذا كان واليا فهو الوالي المخلص الأمين، واذا كان سيدا رئيسا فهو الرئيس المتواضع الرحيم، واذا كان خادماً أو اجيرا فهو الرجل القوي الأمين، واذا كان أمينا للأموال العامة فهو الخازن الحفيظ العليم، وعلى هذه اللبنات قام المجتمع الإسلامي وتأسست الحكومة الإسلامية في دورها (الطريق إلى المدينة، ص: 60).