الإخلاص هو العمدة في الأعمال

الحج عبادة عظيمة وليس سياحة
6 يونيو, 2024
الفساد في الأرض بأشنع صوره!
18 يوليو, 2024

الإخلاص هو العمدة في الأعمال

سعيد الأعظمي الندوي

لوصحت النوايا تركزت على الإخلاص لله تعالى في الأعمال والنشاطات التي يعيشها الناس لكانت ذات قيمة كبيرة، ونتائج سارة عظيمة في جميع مجالات الحياة، ولا يختلف في ذلك عمل دون عمل، فربما يكون أصغر شيء صدر من بشاشة القلب ولمجرد ابتغاء وجه الله، وقد يكون بصغر شأنه غير معدود في قائمة الأعمال، وقد يكون مختفياً عن الأنظار ولكنه يعقب طهراً ونقاءاً ويكسب مكانة عالية في المستقبل الآتي، كما أن هناك أعمالاً جليلة ومشاريع كبيرة تتحقق، ويكبرها الناس أفراداً وجماعات، بل ويقلدونها في بناء مستقبلهم المشرق، إلا أنها تخلو من الإخلاص المطلوب في شريعة الله، ولا ينوي بها صاحبها إلا تمثيل شخصية ذات عزم أكيد وجهد جهيد وإثبات شيء يشبه المعجزة، فلا يراه أحد إلا ويكون لسانه رطباً بالثناء على صاحبه والدعاء له بكمية وافرة، غير أن المعجزة إذا كانت لم تصدر من أعماق القلب العامر بالإيمان، ولم يكن فيها أثر مما يسمى بالإخلاص فلا شأن لها في عين الله تعالى ولا تساوي حبة خردل في الميزان “وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ” [الرحمن:7–9].

هناك أعمال وإنجازات ضخمة عظيمة في مختلف مجالات الحياة، مما يراه الناس بعين من الغبطة ويتمنون أن يتمكنوا من مثل ذلك إذا توافرت لهم الوسائل المادية التي تساعد في تحقيق آمالهم وأمانيهم، أما ما هو الهدف من كل ذلك، وأي غاية يتوخونها من خلاله فقد يكون الهدف مجهولاً، والغاية غير مدروسة، إنما المراد هو إثارة روح الإعجاب والاعتراف بقوة العمل ورسوخ العزم في نفوس الناس، ولكن الإخلاص لله تعالى فهو الشيء النادر المفقود الذي إذا بحث عنه في أي مجال من نشاطات الحياة قلما رجعنا مما يثلج الصدر ويهدئ القلب، بل بما يثبط الهمم، ويبعث اليأس عن مستقبل هذه الأمة، جددوا قراءة سورة وجيزة من أواخر كتاب الله تعالى، تجدوا فيها ما يشفي غليلكم نحو قضية اليأس وعدم الإخلاص “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ” [الماعون:1–7].

أولئك الذين لا يفرقون بين العادة والعبادة، ولا يميزون بين الإخلاص والرياء، ولا بين المعروف والمنكر، ولا يدركون معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعيشون على الأهواء الباطلة ويتبعون خطوات العدو المبين، فأنى لهم الدخول في السلم كافة، وتمثيل منهج الإسلام للحياة، وبناء المجتمع البشري على أساس الإيمان والإحسان، والفضائل الإنسانية، والقيم الخلقية وعلى الحب والحنان، وعلى العز والسعادة التي يوفرها الإسلام لأتباعه فرداً وجماعة، فلابد من الدخول في السلم كافة وبناء الصرح الإسلامي على القاعدة الصلبة من الإيمان والعمل الصالح “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً” [الكهف:107–108]، (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياءاً! أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كملة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

من هنا نتبين معنى الأعمال بالنيات…، ذلك الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري أول ما رواه في صحيحه، وفيه أوضح بيان لما يقوم به المرء من عمل، إذا كان اعتماده على النية الصالحة، وكان الغرض منه نيل رضا الله تعالى فهو من الأعمال وينال المرء (ريعه) جزاءه في العالمين كليهما، إلا أنه إذا تم لتبرير حاجة نفسية لا تستند إلى طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فمصيره معلوم، وقد يعمل الإنسان عملاً من غير روية أو تفكير في الغاية فهو عبث لا قيمة له ولا شأن.

فالمسلم في جميع أعماله مهما كانت مسئول عن إخلاص النوايا فيها لله تعالى، وبذلك يكون مقبولاً ومجازى عنده بالجزاء الأوفى ولذلك فإن الله تعالى يركز على إخلاص الدين، لأن الدين وحده والإقرار به من غير عمل لا يغنى عن الحياة شيئاً، اقرأوا ما يقول الله سبحانه في كتابه “وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” [البينة:5].

×