أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي: كيف عرفته
10 سبتمبر, 2023
يا عين فابكي ولا تسأمي!
10 سبتمبر, 2023

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

فرحان أحمد الندوي(*)

فوجئنا بنعي العالم الرباني الجليل، والصحافي والكاتب الإسلامي الأريب السيد محمد الرابع الحسني الندوي عبر موقع التواصل الاجتماعي في الساعة الثالثة ليوم الخميس 13 من أبريل/نيسان، 2023م المصادف 22 من شهر رمضان المبارك 1444هـ، فساورتنا الهموم لأننا فقدنا شيخا من شيوخنا الكبار وقدوة عليا للعلماء والطلاب، ومرشدا عظيماً للشعب الإسلامي الهندي، والعالم الإسلامي.

كان الشيخ الندوى من الأعلام البارزين، والكتاب الإسلامين القلائل الذين وقفوا حياتهم وأعمارهم في خدمة الدين والعلم، ونشر الإسلام بصرف النظر عن القريب والبعيد. وكان من الشخصيات الفذة التي يرجع إليها في أمور الدين والدنيا.

كان يتحرز من الأمور المثيرة، والبيانات العاطفية التي تحرض المتحمسين للإسلام على إتيان مالايتفق وروح الشريعة، وأحوال الهند الحالية. وينافى الدستور الذي حدد لهم حقوقاً متساوية مع الشعوب الهندية الأخرى، فكان يؤثر الصمت تجاه القضايا التي كانت حديث النوادى والمحافل، وليس هذا الصمت بجهالة عن هذه القضايا بل يتجنب عنها نظراً الى الآثار السلبية التي تتركها خطبه وآراؤه، وكان في ذلك يحتذي بحذو خاله السيد أبي الحسن علي الحسني على الندوى. فإن خاله كان مترفعا عن المجادلات الدينية والخلافات المذهبية، وكان يحب التصالح والتسامح في كثير من مثل هذه النزاعات والخلافات إلا إذا تمس روح الشريعة، ويضر بها.

كان غزير العلم حتى صار العلم شعاراً له ودثارا. إنه قضى حياته كلها في الإفادة والاستفادة، والأخذ والعطاء. تشرفت بالتلمذ عليه خلال دراستي في دار العلوم لندوة العلماء عام 2008ء. فكان يدرسنا كتاب “تاريخ الأدب العربي بين عرض ونقد” في مسجد ندوة العلماء، وكان صفى موزعًا على فصول عديدة. فطلبة سائر الفصول يجتمعون في المسجد، ويتمتعون بدروسه المملوءة بالعلم والمعرفة.

كان لدينا إلمام ضئيل بتاريخ الأدب العربي، وكان الشيخ رضع بلبانه لأنه هو الذى ألف الكتاب المذكور، فيعلم وهاده وهضابه. فإذا تكلم كأن البحر الفضفاض يتموج تموجا، ويضطرب اضطرابا فقد يتوارد عليه الكلام والبيان كأنه فتحت أمامه معاجم المعانى والأفكار، طالما يتلعثم لسانه بكثرة التوارد.

قد يتلعثم لسان إنسان في التحدث. وهذا التلعثم ينبني على أسباب كثيرة. منها قد يتلعثم إذا لم يتقن صاحبه الموضوع الذي يتكلم عنه، وهذا كثير الوقوع. ومنها إذا كان في لسان أحد لكنة. ومنها إذاكان صاحب اللسان، غزير العلم، وفور المادة، جم الاطلاع على الموضوع الذى يتولى تدريسه. فكان تلعثم الشيخ الندوي بالسبب الأخير أعني أن غزارة علمه تحول دون سرعة لسانه.

نقل الراغب الأصفهاني في كتابه ” محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء” عن عبد الله إبن المقفع أنه كثيرا مايقف إذا كتب فقيل له في ذلك. فقال “إن الكلام يزدحم في صدري فأقف لتيخره”. (مكتبة الهلال، مصر، سنة الإصدار: 1902، المجلد الأول، ص: 132).

أتذكر أن الدرس ذات يوم يدور حول القرآن وما يترك من تأثيرات إيجابية على الأدب العربي، وما يوفر القرآن والأحاديث للأدب من ألفاظ وكلمات جديدة أخذت تستخدم للمعاني المحددة – ليس معني ذلك أن تلك الكلمات أدخلت فى العربية بل كانت عربية محضة من ذي قبل، فجاء الاسلام وحدد معانيها ومفاهيمها، وعين مدلولاتها كالصلاة، والزكاة، والصوم، والركوع والسجود – فبدأ الشيخ الندوي الدرس وجعل يشرح هذه الكلمات بالأمثلة والأدلة، وبآي من القرآن حتى تحيرنا من غزارة علمه واستحضاره لآي القرآن الكريم………. إلى أن انتهت الحصة، وأجل الدرس إلي الأسبوع القادم.

وكيف لا يحدث مثل ذلك فإنه قضي طول حياته فى مجال العلم والأدب، وصاحب طويلا سماحة العلامة أبي الحسن على الحسني الندوي، أما اضطلاع سماحة العلامة باللغة العربية والأدب العربي فحدث عن البحر ولا حرج.

(*) قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة بنارس الهندوسية، وارانسي، أترابراديش (الهند)

×