الوضع الكارثي في غزة والعالم المتحضر
28 نوفمبر, 2023العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله
17 يناير, 2024الحاجة إلى فهم العقل الغربي المعاصر
د. محمد وثيق الندوي
كلُّ من يستعرض تاريخ أوروبا يصادف أنه ما إن جاء القرن السادس عشر الميلادي حتى بدأت أوروبا تنهض، ولم يعد تفكيرُها محصورًا باسترداد ما فتحه المسلمون من أراضيها، ولكنها عملت على تطويق العالم الإسلامي بكامله، وتابعت عدوانَها حتى تحقَّق لها ما كانت تريد في نهاية القرن الثامن عشر، وأصبحت قوة طاغية مستعمِرة، تريد أن تجرف أمامها كل شيء، فقد اكتشفت أسرار المادة، وأخرجت خبء الأرض، وامتلكت من وسائل العلم والاختراعات ووسائل الأسلحة في مدة قصيرة ما لم تملكه البشريةُ من قبل، ولكنها كانت وما زالت قوة بربرية، سخَّرت كل هذه الاكتشافات لتمدَّ أجنحة سيطرتها على آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتجعل العالم مزرعة لها، يجب أن يأتيها خراجها.
فإن العالم الأوروبي عدو شديد العداوة، وأنه ماكر شديد المكر، وأنه خبير حسن الخبرة بتدمير الأمم وردِّها القهقرى متردية في الغموض والحيرة، وقد دارت هذه القوة الأوربية حول العالم الإسلامي تنقص من أطرافه بمهارة وحذر، فدبَّت دبيباً حول هذا العالم، وجعلت تطوق شواطئ الإسلام في أفريقيا وآسيا بطوق من الثغور تحتلُّها، ثم تنفُذ من كل ثغر إلى جسم العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً بحذر وبلا ضجيج يزعج، كما أشار إلى ذلك محمود شاكر في كتابه “أباطيل وأسمار”، فقد ورث رجالُ السياسة الأوروبية عداوة الإسلام من الكنيسة، وتلقَّوا مفترياتها من الطعن عليه بالقبول، وضاعف هذه العداوة والضراوة بحربه طمعُهم في استعباد الشعوب الإسلامية والاستيلاء على الدول الإسلامية، فإن الروح الصليبية لم تزل كامنة في صدور الغربيين كُمُونَ النار في الرماد، وروح التعصُّب لم تنفكُّ معتلِجَة في قلوبهم حتى اليوم رغم دعواهم بالعلم والحضارة والعدل والتسامح الديني.
إن نظرة أوروبا إلى الشعوب الإسلامية هي برنامج محفوظ في ذاكرتها: “شعب خامل، جاهل متعصب، أراض خصبة، معادن كثيرة، مشاريع كبيرة، هواء معتدل، نحن أولى بالتمتُّع بكل هذا”.
هذه العقلية الأوربية التي نشأت وترعرعت على حبِّ السيطرة والنفوذ، والتي ترى نفسها متفوقة، لا تقبل بمنطق الضعفاء الذين يطالبون بحقوقهم عن طريق الرجاء والتمنِّي أو عن طريق المنظمات التي أنشأها الأوربيون، نعم يمكن أن يستجيبوا إذا علموا أن وراء الكلمة قوة تحميها، وتصميماً لا مواربة فيه ولا التواء،يقول الأديب المعروف محمود محمد شاكر(مجلة الرسالة، العدد:730م 15/722):” وقد مضت العبر بأن هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون إلا اضطراراً وبالقهر والغلبة، فمن العبث أن ندعو هرلاء القوم إلى سواء بيننا ويينهم، لأن القوة قد أسكرتهم فأطاشت حلومهم، وتركتهم لا يدركون إلا ذلك المعنى الخسيس للحياة، معنى الفائدة العاجلة بغير نظر إلى عدل ونصفة، ومن العبث أن نحتال عليهم بما يسمونه السياسة، فالقويُّ وحده هو الذي يعرف كيف يستفيد من السياسة”.
وإن الدول التابعة للسياسة الأوروبية، تنهج نفس المنهج كالهند التي تجري فيها اليوم محاولاتٌ مكثفةٌ ومدروسة وتمرير قوانين في البرلمان،تمهِّد الطريق إلى إنشاء دولة هندوسية لا يكون فيها مكانٌ للمسلم.
ولا يطيق الرجل الأوروبي رؤية حضارة منافسة لحضارته، وإذا اضطره الأمر فإنه يقبل بالهندوسي أو البوذي، ولكنه لا يقبل بالمسلم، ذلك لأنه يمتلك ديناً يعطيه حضارة متميزة، ونظرة للحياة تغاير نظرة الغربي، وبعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي تأكَّد لدى الغرب أكثر من ذي قبل أن حضارته الرأسمالية الديمقراطية هي الحق، وما عداها هو الباطل، وقد كتب المفكر الأمريكي فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ”: “إن النمط الغربي لتنظيم الحياة هو الذي سيسود العالم ولن يأتي شيء بعده”.
ولذلك تتعلَّل عدد من الدول أو الأنظمة بمحاربة الإرهاب أو محاربة التطرُّف لمحاربة التديُّن والمتدينين والعاملين للإسلام، والغربيون في الغالب –كما قال الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين –إنما يحاربون الإسلام لكبح تمدُّد حركاته وتأثيرها الاجتماعي والسياسي، فهم يحاربونه خوفاً منه، وتحصيناً لأنفسهم ولأيديولوجياتهم وسياساتهم ومصالحهم، ويساندون من يحاربه أو يحارب من يشكل خطرًا لأوروبا وحضارتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، وهذا شيء مفهوم ومعهود في السياسة الأوروبية والغربية المعاصرة، ولذلك لقد سارعت الدول الغربية وخاصة الدول الغربية السبع الكبرى لمساندة الكيان الصهيوني من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية وحضارتها، يقول المحلل السياسي الكويتي ناصر الدويلة في مقال له:
” إن أول الدول التي سارعت لدعم إسرائيل بشكل فوري هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان، فما هو الرابط بين هذه الدول لتتصرف بسرعة فورية وترتيب ويتسابق قادتها لزيارة إسرائيل..!!
الدول السبع الكبرى هي منظمة هلامية.. تقود مصالح الحضارة الغربية من منطلق اقتصادي ولاتنتظم..
في معاهدة مكتوبة وليس لها أمانة أو مقرّ دائم هي أشبه بزعماء المافيا لكن لاقتسام العالم وتتناوب رئاستها سنويًا بين الدول الأعضاء، وهكذا تتولى الدولة الرئيسة مهمة تحديد أولويات المجموعة،واستضافة وتنظيم قمتها..
ورغم عدم وجود أساس قانوني أو مؤسسي لها، فمجموعة الدول الصناعية تحظى بنفوذ دولي كبير، إذ حفزت العديد من كبرى المبادرات العالمية أو تولت قيادتها وهي تجتمع سنويا لتضع خطط السيطرة على العالم ولمتابعة ما خطط من قبل..
وفي آخر اجتماع للدول السبع وضعت خطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط موضع التنفيذ تمهيدًا للصراع القادم مع الصين عبر عدة طرق منها:
إنهاء القضية الفلسطينية عبر إنهاء حماس وسيطرة إسرائيل على كل فلسطين وإعادة احتلال الضفة وتصفية كل أشكال المقاومة..
تحضير منطقة الخليج لانفجار إقليمي بين السعودية ودول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى، وقد يكون حقل الدرة الكويتي مفتاحه،أو خور عبدالله،أو أي مشكلة أخرى تؤدي لتدخل إسرائيل لدعم الخليج عسكريًا..
إثارة النزاعات بعد ذلك بين دول الخليج بحيث يصل الأمر لتغزو دولة أو أكثر دولة أخرى أو أكثر،فتدخل المنطقة في حالة تمزُّق وشتات تنتهي فيها منظومات دول المنطقة وتسقط تحت الهيمنة الإسرائيلية دون مساس إيران التي يكتفون بنزع سلاحها النووي بالكامل..
بعد هيمنة إسرائيل على الجزيرة العربية ونفطها تصبح أمريكا والغرب تتحكم في مصدر الطاقة الأساسي للصين، وتبدأ مرحلة تحجيم الصين وكوريا الشمالية… “.
فإن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى فهم العقل الغربي المعاصر وقيمه ومسلماته الفكرية، وأساليب تفكيره، كما خطط الغرب لفهم العقل المسلم وقيمه والمسلمات التي ينطلق منها في تفكيره وعمله مستهدفاً تسخير المسلمين لما يحقق أهداف الغرب في الهيمنة والنفوذ والاستغلال، ومحور المسلمات الفكرية عند العقل الغربي، هي فكرة الصراع والبقاء للأقوى، وقد جعلت أوروبا من نفسها القيِّم والحكم على العالم، وأصاب شررُها المسلمين أكثر من غيرهم، فهل ستستمر كذلك؟ أم سيكون المسلمون العقبة الكؤود في طريقها؟.