هل المعاصي تجلب المآسي
26 يناير, 2018ما هي مشكلتنا؟
20 فبراير, 2018كلمة الرائد
بسم الله الرحمن الرحيم
ولكن لا: على حساب السلوك الإنساني!
يقال إن العالم البشري قد تواثب اليوم إلى آخر مدى من الاتساع والتطور، في جميع حاجات الإنسان والكون، وأحرز قصب السباق في كل مجال من العلوم والثقافة والتقنية والصناعات، كأنه يعد نفسه بغاية من الجدية للإسهام في كل مادة من مواد الفحوص التي تجري لإثبات الكفاءات الإنسانية المبرزة، وليست هذه العملية منحصرة في الأفراد والجماعات وفي المجموعات واللوبيات المتعددة المنتشرة في العالم؛ بل الواقع أن السباق في قاعة الامتحانات العالمية المتسعة المنوعة مستمر بين الدول والحكومات، وفي المجتمعات الكبيرة على أرفع المستوى الذي يتصوره العقل البشري،إن علماء الطبيعة ورجال العلم والفقه والبصر كلهم عاكفون على إنتاجات حيوية تفوق كل إنتاج من العلم والحضارة، بل ويكون أول إبداع في مجال الحياة الإنسانية ينال جائزة الاعتراف والتقدير، وتمهد الطريق للآخرين لدراسة ما أودع الله تعالى في الكائنات من كنوز الطبيعة العلمية وأسرار الكون والحياة، ولو لا هذه الفطرة من البحث والتحقيق والاستمرارية في مجالها لم يتوافر من التقدم والتطور، في الإبداعات والصناعات فيما يعيشه الناس في كل مكان وفي كل مجتمع محلي أو دولي.
ولكنكم ترون أيها القراء الكرام! أن هذا السباق وأن هذا التطور قد أدى بالإنسان إلى أخيم نتيجة، وعاد عليه وبالاً من كل جهة، ذلك لأن العمل الذي يصدر من أي شخص أو جماعة، من غير تفكير في النتائج وبدون أي تعيين للهدف الإنساني لا يأتي إلا بالدمار والفساد، أو لا تكون له نهاية إلا بألوان من المنازعات والخلافات، وبأنواع من التجاوزات، وتوجيه الاتهامات إلى شخص دون شخص،أو دولة دون دولة مهما كانت قوية ذات لافتات سياسية جالبة للأهواء، وباعثة للخوف، ومرعبة في مجال السياسة العالمية لمن يتولاها،ويمثل نفسه من أعظم وأقوى الشخصيات على المستوى العالمي.
ولنا فيما حدث مع أقوى دولة في العالم اليوم ورئيسها الذي كان يعتبر نفسه فوق كل شيئ ويزعم أن الجبابرة في العالم كله يخرون سجداًأمام قوته،ويسبحون بحمده ويقدسون له، فلما أعلن وهو في نشوة من القوة الخارقة وزعم بأن الدنيا تقوم وتقعد امتثالاً لأمره بأقل إشارة منه،أعلن أن القدس إنما هي عاصمة إسرائيل من اليوم… ولكنه لم يجد استجابة كاملة لهذا القرار بل واجه مخالفات عنيفة من الجهات العالمية والدول المسلمة كلها، وهنالك اعتمد ـ بكثير من الثقة ـ الأممَ المتحدةَ أحسن مكان لعرض هذا القرار أمام جميع الدول الأعضاء، وكان واثقاً بأن ينال الموافقة عليه مائة في المائة، إذا هو يفشل ويستهان، إذ لم يجد من يوافقه وخالفت الأمم كلها هذا القرار الغاشم ورجع من الأمم المتحدة بخفي حنين، صفر اليد، مصاباً بالتذليل عالمياً (فهل من مدكر).
وكذلك كان كل شخص، سواء كان بادي النفاق أو كان نفاقه مضمراً، إنه نجح في ظاهر عمله ولكن كتبت له الخيبة والحرمان في مستقبل أيامه في عاقبة أمره، أما الحياة العامة للناس اليوم فهي بين الأثرة والإيثار، وقد تتغلب كفة الأثرة وترجح حتى تلتصق بالتراب، وكفة الإيثار طائشة نحو السحاب حيث تختفي وراء السحب الكثيفة ولا تتراءى إلا بعد جهد جهيد، ولعل حياتنا العامة في عصرنا تتسم بهذه السمة وفي معظم طبقات المجتمع رغم جميع التطورات العلمية والثقافية، وتجدّدِ المصطلحات والأسماء، وكذلك بالرغم من تميُّز السياسة العالمية بإكثار اللجان والمناصب وتغالي الميزانيات تسفَّلت من الناحية الإنسانية والخلقية إلى أسفل درك، وتغلبت الأثرة ونهب أموال الدولة والجماهير على كل سلوك إنساني نزيه وإخلاص نية، مهما كان ذلك بأي لقب أو مصطلح أو مواعيد لماعة، أو على حساب الإنسانية والأخلاق العالية.
هذه الوتيرة أصبحت عامة ومقبولة بوجه عام، ولكن الله هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
سعيد الأعظمي الندوي