رحلة أدبية ثقافية ترفيهية ينظمها النادي العربي لطلبة دار العلوم لندوة العلماء
21 أغسطس, 2025أمراض المجتمع وعلاجها (14)
24 سبتمبر, 2025داء الغفلة وسبيل النجاة منه
خليل أحمد الحسني الندوي
إن من أخطر الأمراض التي أصابت جسد الأمة المحمدية اليوم، هو داء الغفلة، ذلك الداء العضال الذي تسلّل إلى القلوب، وأقعدها عن النهوض، فصار كثير من المسلمين غافلين عن تعاليم دينهم، معرضين عن التوجيهات الربانية والنبوية، ثم بعد ذلك يشكون من التخلف والانحطاط والتدهور، وكيف لا يكون الحال كذلك، وقد أخبر الله عز وجل فقال: “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس”.
إن أول ما ينبغي أن ندركه، هو أن لهذا الانحطاط أسبابًا وجذورًا، وفي مقدمتها الغفلة؛ غفلة في الدين والدنيا على السواء، فنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أوصانا بالنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، وأداء الصلاة في أوقاتها، لكن واقع كثير من المسلمين اليوم يخالف ذلك، يسهرون الليالي لأمور تافهة: طعام وشراب، ولهو وحديث لا طائل منه، حتى تنقضي الساعات في المطاعم والمقاهي، فإذا أعياهم السهر ناموا حتى الضحى، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً نام حتى أصبح فقال: “ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه”.
فهل يُنتظر من يومٍ ابتدأ ببول الشيطان أن يكون يومًا مباركًا، سعيدًا، عامرًا بالخير؟ أم يكون يومًا مثقلاً بالضجر والقلق واليأس؟ إن الشيطان حين يبدأ يوم المرء بالهيمنة عليه، فإنه لا يزال به حتى يجرّه إلى ما يهواه، ويصرفه عن كل عمل صالح، ويوقعه في التراخي والكسل والبعد عن الطاعات، كما قال الله عز وجل: “وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا”.
لذلك، لا بد أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، وأن نقتلع هذا الداء من جذوره، ونستبدله باليقظة والهمة، فنبدأ يومنا بالاستيقاظ المبكر وأداء الصلاة المكتوبة في أول وقتها، ونحمد الله عز وجل على أن رد إلينا أرواحنا بعد نومٍ هو شبيه بالموت، كما علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول عند الاستيقاظ: “الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور”.
إن الشكر لله سببٌ لدوام النعم وزيادتها، كما أن كفرها واستعمالها في غير طاعة الله سببٌ لزوالها وعذابه الأليم، قال عز وجل: “لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”. وقد قصّ الله علينا خبر من أوتي الآيات ثم أعرض عنها واتبع هواه، فقال تعالى: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ…”. وكانت جريمته الكبرى عدم شكره لله تعالى على ما أنعم به عليه.
فلنحرص إذن على دوام الشكر، ولنجعل أوقاتنا مطبوعة بطابع الطاعة، ملتزمة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، مجانبة لما يخالف الدين والشريعة، حتى ننجو من داء الغفلة، ونرتقي إلى مقام الأمة اليقظة العاملة، التي تعرف قدر نعم الله، وتشكرها بلسانها وجوارحها وأعمالها.