إن مع العسر يسرًا: رحلة الدعوة وبيعة العقبة

سفينة النجاة في الفتن
21 أغسطس, 2025
سفينة النجاة في الفتن
21 أغسطس, 2025

إن مع العسر يسرًا: رحلة الدعوة وبيعة العقبة

عبد الرشيد الندوي
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مكث رسولُ اللهِ بمكةَ عشرَ سنين يتَّبِعُ الناسَ في منازلِهم عكاظ ومجنةُ وفي المواسمِ يقول من يُؤويني من ينصُرني حتى أُبَلِّغَ رسالةَ ربي وله الجنةُ فلا يجدُ أحدًا يُؤويه ولا ينصرُه حتى أنَّ الرجلَ ليخرجُ من اليمنِ أو من مضرَ كذا قال فيه فيأتيه قومُه وذوو رحمِه فيقولون احذرْ غلامَ قريشٍ لا يفتِنْكَ ويمضي بين رحالِهم وهم يُشيرون اليه بالأصابعِ حتى بعثنا اللهُ اليه من يثربَ فآويناه وصدَّقناه فيخرجُ الرجلُ منا فيؤمنُ به ويُقرِئُه القرآنَ فينقلبُ إلى أهلِه فيُسْلِمُون بإسلامِه حتى لم تبقَ دارٌ من دورِ الأنصارِ إلا وفيها رهطٌ من المسلمين يُظهرون الاسلامَ ثم ائتمروا جميعًا فقلنا حتى متى نتركُ رسولَ اللهِ يطوفُ ويُطردُ في جبالِ مكةَ ويخافُ فرحل اليه منا سبعون رجلًا حتى قدموا عليه في الموسمِ فواعدناه شِعْبَ العقبةِ فاجتمعنا عندها من رجلٍ ورجليْنِ حتى توافينا فقلنا يا رسولَ اللهِ علامَ نُبايِعُكَ قال تُبايعوني على السمعِ والطاعةِ في النشاطِ والكسلِ والنفقةِ في العُسرِ واليُسرِ وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ وأن تقولوا في اللهِ لا تخافوا في اللهِ لومةَ لائمٍ وعلى أن تَنْصُروني فتمنعوني إذا قدمتُ عليكم مما تمنعون منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجنةُ. فقمنا إليه فبايعناه وأخذ علينا وشرطَ ويُعطينا على ذلك الجنةَ.
تخريج الحديث: أخرجه أحمد (14456)، وابن حبان (6274)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/442)، والأزرقي في أخبار مكة (2/205). وفي الحديث موقف أسعد بن زرارة حذفته للاختصار.
شرح الحديث: يبين هذا الحديث الشريف ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من عنت قومه في مكة في بداية الدعوة، إذ قضى عشر سنوات يطوف على القبائل والأفراد في منازلهم وفي الأسواق الموسمية الكبرى كعكاظ ومجنة والمواسم، يدعوهم إلى توحيد الله ونصرة رسالته، ويعرض عليهم الجنة مقابل ذلك، فلم يجد قلبًا مفتوحًا ولا صدرًا رحبًا، بل واجه التحذير والصد والإعراض، حتى من الأقربين، وكان يُشار إليه بالأصابع في الطرقات تحذيرًا وتعييرًا. وقد بلغت الحال به صلى الله عليه وسلم أن صار غريبًا في أرضه، لا يجد من يؤويه، وهذا يدل على عظيم صبره وثباته في سبيل تبليغ الرسالة وصدق اعتماده على الله، رغم قسوة الواقع وشدة الحال.
ثم جاء الفرج من حيث لا يحتسب، فاستجاب له رجال من يثرب، فآووه وصدقوه، وبدأ الإسلام يتسلل إلى بيوت الأنصار حتى عمّ بينهم، ثم اجتمعوا في موسم الحج في بيعة العقبة الكبرى فبايعوه على السمع والطاعة والنصرة في جميع الأحوال. وكان هذا التحول نقطة فارقة في مسار الدعوة، إذ انتقل الإسلام من مرحلة الضعف والتضييق إلى مرحلة التمكين والاستقرار.
ومن الدروس العملية المستفادة: الصبر والثبات على الحق، الاعتماد على الله في كل الظروف، أهمية نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل الجماعي، الوفاء بالعهد، والتضحية في سبيل الحق، مع اليقين بأن النصر حليف من يصبر ويصدق ويثبت.