كيف يتحقق لنا النصر؟
19 سبتمبر, 2023الاحترابيون
28 نوفمبر, 2023من هو المجرم؟
جعفر مسعود الحسني الندوي
إن الغرب كما نراه منذ قيام دولة إسرائيل سنة 1948م، يشكل حضنًا له، رغم أنها قامت على الظلم والاضطهاد، والقمع والإبادة، والتهجير والتشريد، والقتل والتدمير، ترتكب ما ترتكب من الجرائم، تسفك ما تسفك من الدماء، تقتل من تقتل من الأبرياء، تستهدف من تستهدف من الفلسطينيين العزل، وتغتصب من تغتصب من النساء، وكل ذلك تحت مظلة الغرب، والغرب يتفرج عليها، ويصفق لها، ويشجعها ويحرضها، ويساعدها، ويهنئها على هذه المجازر التي لو قامت بها دولة غيرها لَفَرض عليها الغرب قيودًا، وعاقبها معاقبة لا يقوم لها قائمة.
ومواجهتنا اليوم، ليست مع الكيان الصهيوني وحده؛ كما يراه البعض، وإنما مواجهتنا في الجوهر والكنه مع الغرب الذي أنجب هذه الدولة ليحقق بها ما يهدف إليه من المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، ويوفر لها كل ما تحتاج إليه منذ ولادتها حتى اليوم من المعونة والحماية.
إن الكيان الصهيوني كيان وظيفي زرعه الغرب في أرض فلسطين ليسيطر على العالم العربي، ويمسك بزمامه، ويديره كما يشاء.
يخطئ كل من يعتقد أن الكيان الصهيوني يستقل عن إرادة الغرب وأهدافه ومصالحه، إن الكيان الصهيوني خاضع للغرب كل الخضوع، يقف حيث يوقفه، يتحرك حين يحركه، يهجم عندما يأمره بالهجوم، ويعتدي عندما يحرضه على الاعتداء.
إن الحديث عن حياد الغرب وكونه وسيطًا عادلاً بين الكيان الصهيوني والدول العربية الإسلامية، واعتباره غير منحاز للكيان الصهيوني، حديث كله كذب وخداع، وجهل بالغرب وتاريخه الأسود، لنعرف وجه الغرب الحقيقي وتآمره على العالم العربي ونواياه، لابد لنا أن نقف عند خمس مراحل مرَّ بها العالم العربي مع الغرب، وهذه المراحل الخمس كما يقول الدكتور عبد الله النفيسي.
المرحلة الأولى: هي مرحلة العنف، والحملة الفرنسية، والحملة الهولندية، والحملة الإيطالية، والحملة البريطانية، الغرب كله قاد حملات عسكرية، وكسَّر العالم العربي الإسلامي تكسيرًا بالعنف، ليس بالحوار الذي يدعونا إليه هذه الأيام.
المرحلة الثانية: هي مرحلة التقطيع، بعدما كسَّر الغرب العالم العربي، وجزّأه وقطّعه وجعله أشلاء، وأصبح العالم العربي مثل الذبيحة، ووزعت الدويلات كما توزع لحوم الذبيحة، وكل ذلك بالاتفاقيات، هذا لفرنسا، وهذا لبريطانيا، وهذا لإيطاليا، وهذا لهولندا.
المرحلة الثالثة: مرحلة التغريب، بعد أن كسّر الغرب العالم العربي، وجزأه أشلاء تأتي مرحلة التغريب، وأعد الغرب لذلك وفتح أبواب جامعته للطلاب الوافدين من العالم العربي، وأنشأ مدارس وجامعات لإعداد جيل يتقن التحدُّث باللغة الإنجليزية والفرنسية، ولا يعرف شيئًا عن القرآن، ولا عن السنة، ولا عن العالم العربي، ولا عن التاريخ الإسلامي، ولا عن الجيل القرآني، يأتمر للغرب ويتبنى نظرية الغرب في التعليم والتربية والاقتصاد.
المرحلة الرابعة: بعد عملية التغريب، جاء الغرب بالنخب من المتغربين ليحكم العالم العربي والإسلامي، ويتولى مناصب عالية في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية، ودور التعليم، وخرج من هذه النخب من أعلن إلحاده، وتمرد على الدين، وعارض الشريعة الإسلامية بقلمه ولسانه.
المرحلة الخامسة: مرحلة الإلحاق الاقتصادي، جاء الغرب العالم العربي أن اقتصاداته لم تعد مستقلة، وآبار النفط لم تعد له، إنما لدعم الاقتصادات الغربية، القطن في مصر أصبح يدعم صناعة معينة في بريطانيا حتى الكروم وزراعته في الجزائر أصبح يدعم صناعة النبيذ في فرنسا.
فمرحلة العنف كسَّرتنا، ومرحلة التجزئة جزأتنا، ومرحلة التغريب غربتنا، ومرحلة الإلحاق الاقتصادي جعلت اقتصاداتنا كلها تابعة للاقتصاد الغربي، وبعد أن انتهى الغرب من كل ذلك، جاء بالكيان الصهيوني لكي يحافظ على منجزاته ويحقق أهدافه باستمرار.
إن ما يجري في غزة اليوم من أحداث الدمار والهلاك بالقصف والقذف والصمت الغربي على هذه المجازر التي لم يسبق لها نظير، يدل على الصلة التي قامت بين الكيان الصهيوني والدول الغربية،ولو انقطعت هذه الصلة لم يقدر هذا الكيان على توجيه أي ضربة؛ بل لم يستطع أن يحمي ويدافع عن نفسه، لكن تأييد الغرب له ووقوفه معه في كل ما يقوم به هو الذي يجعله يمشي على رجله.