من هو المجرم؟
31 أكتوبر, 2023أهداف حققتها عملية طوفان الأقصى
17 يناير, 2024الاحترابيون
جعفر مسعود الحسني الندوي
إن الولايات المتحدة هي دولة حديثة لا يزيد عمرها عن عمر دولة الكويت، تعيش فيها طوائف، مختلفة وفئات شتى، ولكل منها لغتها وعقيدتها، وثقافتها وطبيعتها، ونزعتها الخاصة بها، وليس من الممكن لأي منها أن تتنازل عنها، وتريد كل منها أن تعيش بميزاتها وخصائصها، وعاداتها وأساليب حياتها.
والثقافة التي توحد جميع الجاليات، لا توجد في الولايات المتحدة، لأن كل فئة تتشبث بثقافتها، فالشيء الذي يوحد الناس فيها، هو المصالح القومية، وفكرة العدو الخارجي، ولذلك نرى الولايات المتحدة في عهد كل رئيسها تبتدع عدوها من الخارج، فابتدعت فيتنام كعدو لها، واستمرت الحرب بينها وبين فيتنام خمسًا وعشرين سنة، ثم اختارت كوريا لتحقيق أهدافها السياسية، ثم حددت إيران من بين الدول كمصيدة لحلفائها من الدول العربية، ثم وقع نظرها على العراق، وعرفت أنها تمهد الطريق للوصول إلى الغايات التي تريدها، فأعلنت أنها تشكل خطرًا على سلامتها واستقرارها، فلابد من شن الهجوم عليها، ثم ابتدعت تنظيم القاعدة، ثم داعش، وعرف بأسامة بن لادن، وملا عمر، وأيمن الظواهري، وأبو بكر البغدادي، ونشرت عنهم كل ما نشرت، وخدعت بهم العالم كله، وادعت بأنهم من أخطر رجال العالم، والعالم كله في خطر، إذا كانوا على قيد الحياة، فلابد من القضاء عليهم، ولابد من التحالف مع الدول الأخرى للقيام بهذا الأمر.
تفعل الولايات المتحدة كل ذلك لأنها تعرف أنها إذا لم تبتدع عدوها من الخارج ولم تخوف منها الجاليات المختلفة التي تستوطنها لتندلع التمردات الداخلية، والحروب الأهلية والاشتباكات الدامية بين فئات مختلفة في العقيدة واللغة والثقافة ونمط الحياة، ولا تستطيع رغم ما لها من قوة عسكرية أن تسيطر على ما نشبت من الصراعات الداخلية على أراضيها، ولذلك وصف أحد الخبراء السياسيين المسئولين عن الحكم في الويالات المتحدة بالاحترابيين وقال: عندهم عقيدة عسكرية، نراهم دائمًا في حاجة إلى الحروب خارج بلادهم، يحاولون تغذية النزاعات الخفيفة المحدودة المحكومة استراتيجيًا، لأن الحروب هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على مكانتهم في السياسة الأمريكية، يحصلون بها على ميزانيات ضخمة يطلبونها من الكونجرس، ويملئون بها جيوبهم.
وأضاف يقول: إن المشروع الرأسمالي الأمريكي لا يمكن أن ينجح إلا من خلال توحيد السوق العالمية، وتسخير مقدراتها لصالح الاقتصاد الأمريكي، لأن الاقتصاد الأمريكي لم يكن اقتصاد التنمية، وإنما اقتصاد حرب، ولا ينتعش إلا في الحروب، ولذلك تضطر الولايات المتحدة، وقد اضطرت عدة مرات، لتشن الحرب بدون أي سبب لحل مشكلاتها الاقتصادية.
إن الشركات الأمريكية المنتجة للسلاح والتي يملكها شخصيات رئيسية تحتل مكانة مرموقة في الحكومة الأمريكية أو لها علاقات وثيقة تجارية مع رجال الحكم في الولايات المتحدة تحقق أرباحًا لا نستطيع أن نقدمها، إذا نشبت الحروب، وطالت لأن فاتورة هذه الحروب تدفعها لهذه الشركات، الدول المتحالفة أوالدول المغلوبة، وبعد ما توقفت الحرب، تأتي مرحلة الإعمار، فتتقدم الشركات الأمريكية، وتكسب به ما تكسب، وتأخذ نصيبها الوافر من المساعدات المالية التي تقدمها الدول الإسلامية للبناء والإعمار.
لذلك نرى الولايات المتحدة وراء كل حرب، ووراء كل صراع، ووراء كل تمرُّد، ووراء كل انقلاب عسكري، ووراء كل صدام بين الحكومة وشعبها، فالحروب هي الحياة لها، لولا الحروب لمرضت وماتت ودفنت.