Test
29 سبتمبر, 2021الصامدون في وجه الاستعمار (6/الأخيرة)
5 أكتوبر, 2021الصامدون في وجه الاستعمار (6)
محمد واضح رشيد الحسني الندوي
السيد عمر المختار:
هو السيد عمر المختار الملقَّب بـ” شيخ الشهداء” أو”أسد الصحراء”،تصدى ضد الاستعمار الإيطالي منذ أول دخوله الأراضي الليبية حتى عام (1350هـ= 1931م)، فكان القائد الرائد للمقاومة الإسلامية، وكانت أهم ملامح دعوته.
- الإسلام دين قوة وعزة.
- المتخاذلون عن مقاومة المستعمرين مصيرهم الدرك الأسفل من النار.
- المقاتل دون أرضه أو لأمته إذا قتل، فهو شهيد.
وُلِدَ عمر المختار في (13/ من صفر 1278هـ= 20/ من أغسطس 1861م) في قرية جنزور الشرقية منطقة بئر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا.
تربَّى يتيمًا، وتلقَّى تعليمه الأوَّل في زاوية جنزور،ثم سافر إلى الجغبوب وقضى فيها ثمانية أعوام في الدراسة وكسب العلم من كبار علماء ومشايخ السنوسية؛ في مُقَدِّمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب.
واختاره السيد المهدي السنوسي رفيقًا له إلى تشاد عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية إليها، فسافر سنة (1317هـ= 1899م)، وقد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية بتشاد وحول واداي، وقد استقرَّ عمر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلًا ومقاتلًا، ثم عُين شيخًا لزاوية عين كلكة ليقضي فترة من حياته مُعَلِّمًا ومُبَشِّرًا بالإسلام في تلك الأصقاع النائية، وبقي هناك إلى أن عاد إلى برقة سنة (1321هـ= 1903م)، وأُسندت إليه مشيخة زاوية القصور.
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يومًا بيوم،فحول السيد عمر المختار ليبيا كلها إلى قوة ضارية ضد الاستعمار، وقاد حركة الجهاد، خاض خلالها أكثر من ألف معركة،ودفعت مواقف عمر المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد، وتوصَّلت إلى تعيين غرتسياني؛ وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية؛ ليقوم بتنفيذ خطَّة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها.
وفي سنة 1931 سيرت إيطاليا جيوشًا جرارة، ارتكبت أبشع الأعمال قسوة وعنفًا، وتوغلت إلى الأراضي الليبية، واستطاعت إلقاء القبض على العالم المجاهد في 28 من ربيع الآخر 1350 هـ= 11 سبتمبر 1931م، ونقل إلى بنغازي، حيث أُودع السجن الكبير بمنطقة سيدي أخريبيش، ولم يستطع الطليان نقل الشيخ برًّا لخوفهم من تعرُّض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
كان لاعتقاله في صفوف العدوِّ صدًى كبيرٌ؛ حتى إن غرتسياني لم يُصَدِّق ذلك في بادئ الأمر، فلما تلقَّى برقية مستعجلة من بنغازي؛ مفادها أن عدوَّه اللدود عمر المختار وراء القضبان، أُصيب غرتسياني بحالة هستيرية كاد لا يُصَدِّق الخبر، فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشيًا على قدميه محدِّثًا نفسه بصوتٍ عالٍ، ويُشير بيديه ويقول: «صحيح قبضوا على عمر المختار؟! ويردُّ على نفسه: لا، لا أعتقد»، ولم يسترح باله فقرَّر إلغاء إجازته واستقلَّ طائرة خاصَّة، وهبط في بنغازي في اليوم نفسه، وطلب إحضار عمر المختار إلى مكتبه لكي يراه بأمِّ عينيه، ووجه إليه أسئلة:
غرتسياني: لماذا حاربت بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشستية؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غرتسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟
فأجاب الشيخ: لا شيء إلَّا طردكم.. لأنكم مغتصبون، أمَّا الحرب فهي فرض علينا، وما النصر إلَّا من عند الله.
غرتسياني: لما لك من نفوذٍ وجاهٍ، في كم يوم يُمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويُسلموا أسلحتهم؟
فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أيَّ شيء، وبدون جدوى نحن الثوَّار سبق أن أقسمنا أن نموت كلُّنا الواحد بعد الآخر، ولا نُسَلِّم أو نُلقي السلاح.
ويستطرد غرتسياني حديثه: «وعندما وقف ليتهيَّأ للانصراف كان جبينه وضَّاءً؛ كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية، ولُقِّبْتُ بأسد الصحراء، ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان، ولم أستطع أن أنطق بحرفٍ واحدٍ، فأنهيتُ المقابلة، وأمرتُ بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء، وعند وُقوفه حاول أن يمدَّ يده لمصافحتي؛ ولكنه لم يتمكَّن؛ لأن يديه كانت مُكَبَّلة بالحديد».
محاكمة عمر المختار
عُقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي، مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 من سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت.
عندما تُرجم له الحُكْم، قال الشيخ: «إن الحكم إلَّا لله.. لا حكمكم المزيف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
إعدام عمر المختار
في صباح اليوم التالى للمحاكمة الأربعاء (16 سبتمبر 1931م= غُرَّة جمادى الأولى 1350 هـ)، نفذ الحكم لإعدامه.
وقد قال عنه القائد الإيطالي إنه خاض 263 معركة خلال عشرين شهرًا، ذلك عدا المعارك التي خاضها خلال عشرين سنة قبلها.
كانت آخر كلمات عمر المختار قبل إعدامه : «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا.. فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي».
مصادر ترجمته: برقة المهدّأة/ الجنرال رودلفو غراتسياني
ترجمة محمد بشير الفرجاني
و جهاد الأبطال في طرابلس الغرب/ طاهر الزاوي
والغزو الإيطالي لليبيا/ عبد المنصف البوري
وحياة عمر المختار/ محمود شلبي