بالإسلام بدأ تاريخ السماحة
1 أكتوبر, 2020الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي رضي الله عنه
3 أكتوبر, 2020الحروب الصليبية
هي حروب استمرت قرابة قرنين من الزمان، ابتداء من نهاية القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي سنة (490هـ / 1097م)، وحتى سقوط آخر معقل للصليبيين في أيدي المماليك سنة (690هـ / 1291م). وتعد هذه الفترة من أهم نقاط الاتصال، أو نقاط التأثر والنقل والاقتباس؛ فعلى الرغم من أن الصليبيين قدموا إلى المشرق الإسلامي طلاب حرب لا طلاب علم، إلا أنهم تأثروا بحضارة المسلمين، ونقلوا ما استطاعوا نقله من إنجازاتهم إلى أوربا، التي كانت تعاني من تخلف وانحطاط.
يقول جوستاف لوبون: “كان اتصال الغرب بالشرق مدة قرنين من أقوى العوامل على نمو الحضارة في أوربا… وإذا أراد المرء تصور تأثير الشرق في الغرب وجب عليه أن يتمثل حال الحضارة التي كانت عليها شعوبهما المتقابلة؛ فأما الشرق فكان يتمتع بحضارة زاهرة بفضل العرب، وأما الغرب فكان غارقاً في بحر من الهمجية”(1).
وفي هذا الصدد فإن المقريزي يذكر(2) أنه لما غادر الإمبراطور فريدريك الثاني القدس إلى عكا في طريق عودته إلى بلاده سنة (626هـ / 1228م)؛ بعث إلى الكامل الأيوبي بمسائل أشكلت عليه في الهندسة والرياضيات – وكان الكامل يحب العلم، ويدني إليه العلماء،ويمتحنهم ويغدق عليهم – فعرض الملك الأيوبي تلك المسائل على أحد علماء دولته وهو الشيخ علم الدين قيصر – وهو عالم رياضي ومهندس – ثم أرسل الكامل جوابها إلى فريدريك، ومن هذه المسائل التي طرحها الإمبراطور:
- لماذا تبدو الرماح على غير استقامتها إذا غمر جزء منها في الماء؟
- لماذا يرى ضعاف البصر خيوطاً تبدو كالذباب أو البعوض أمام العين(3)؟
فالأوربيون الذين جاءوا إلى البلاد الإسلامية في موجات متلاحقة، ولغت في سفك الدماء، وخاضت في دماء الأبرياء، بدون رحمة أو شفقة، حتى إذا جوبهت بالجند المسلمين رأت سيوفاً معلمة، وقلوباً مؤدبة، ونفوساً رحيمة، ليست من رسالتها الاستعباد والقهر والظلم، فرأى الصليبيون المساواة والعدل والإخاء؛ فثاروا على نظام الإقطاع وامتهان الإنسان عندهم، وأنكروا تسلط الكنيسة وجبروتها، وكافحوا انتقال الثروة إلى أيدي بعض الأمراء وسماسرة الملوك، واعترفوا ما وجدوه من علم وفن وحضارة، فانتقل إليهم كثير من الصناعات، والنباتات، والعقاقير، والأصباغ، وفن العمارة والهندسة، وبناء الحصون والقلاع، كما انتقل كثير من التقاليد الإسلامية في الملبس والمأكل وفي الأسرة إلى أوربا، ورجع الصليبيون وكأن صاعقة كهربائية نبهتهم إلى سوء حالتهم، وجهالة فكرهم، وضآلة مجتمعهم؛ فانتفضوا يبحثون عن العلم والمعرفة، ويبغون الإصلاح الاجتماعي، والتقدم الفكري والصناعي والخلقي(4).
يقول جوستاف لوبون: “إن تأثير الشرق في تمدين الغرب كان عظيماً جداً بفعل الحروب الصليبية، وإن ذلك التأثير كان في الفنون والصناعات والتجارة أشد منه في العلوم والآداب، وإذا ما نظرنا إلى تقدم العلاقات التجارية باطراد بين الغرب والشرق، وإلى ما نشأ عن تحاكِّ الصليبيين والشرقيين من النمو في الفنون والصناعة – تجلى لنا أن الشرقيين هم الذين أخرجوا الغرب من التوحش، وأعدوا النفوس إلى التقدم بفضل علوم العرب وآدابهم التي أخذت جامعات أوربا تعول عليها، فانبثق عصر النهضة منها ذات يوم”(5).
الهوامش:
- جوستاف لوبون: حضارة العرب، ص:334.
- المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك 1/354.
- انظر: عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي: أثر الشرق الإسلامي في الفكر الأوربي خلال الحروب الصليبية، ص:98.
- انظر: توفيق يوسف الواعي: الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية 1/531-532.
- جوستاف لوبون: حضارة العرب، ص:339.
(الدكتور راغب السرجاني)