الحروب الصليبية
1 أكتوبر, 2020عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (4)
21 أكتوبر, 2020الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي رضي الله عنه
عن عبد الواحد بن أبي عون قال: كان طفيل الدوسي رجلاً شريفاً شاعراً كثير الضيافة، فقدم مكة فلقيه رجال من قريش فقالوا: إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين ابنه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا، فلا تسمع منه.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطناً، فكان يقال لي: ذو القطنتين، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فقمت قريباً منه فسمعت بعض قوله، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا، فإن كان حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.
فمكثت حتى انصرف إلى بيته فدخل، فدخلت معه، فقلت: إن قومك قالوا لي كذا وكذا فاعرض أمرك عليَّ، فعرض عليَّ الإسلام وتلا عليَّ القرآن، فقلت: لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يكون لي عوناً عليهم، فقال: “اللهم اجعل له آية” (لم أقف عليه).
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، فأتاني أبي فقلت: إليك عني فإنك لست مني ولست منك، قال: ولم يا بني؟ قلت: إني أسلمت واتبعت محمداً، قال: يا بني، ديني دينك، فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ففعل ثم جاء فعرضت عليه الإسلام، ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليك عني فلست منك ولست منّي قالت: فديني دينك، فأسلمت.
ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطئوا عليَّ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقلت: قد غلبتني دوس، فادع الله عليهم، فقال: “اللهم اهد دوساً” (متفق عليه البخاري (2937، 4392، 66397)، مسلم (197/2524) من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه)، وقال لي: “اخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم”(ابن سعد في الطبقات (4/181) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومضت بدر وأحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ولحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين، وقلنا: يا رسول الله، اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبروراً، ففعل.
فلم أزل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة، فقلت: ابعثني يا رسول الله إلى ذي الكفين – صنم عمرو بن حممة – أحرقه، فبعثه إليه فحرقه، فلما أحرقه بان لمن تمسك به أنه ليس على شيء، فأسلموا جميعاً ورجع الطفيل فكان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات.
فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد، ثم خرج إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو فقتل الطفيل باليمامة وجرح ابنه عمرو وقطعت يده، ثم استبل وصحت يده، فبينا هو عند عمر بن الخطاب إذ أتي بطعام فتنحى عنه، فقال عمر: ما لك، لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تسوطه، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك.
ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر مع المسلمين فقتل شهيداً.
(صفة الصفوة للإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي رحمه الله تعالى، دار الجوزي القاهرة)