إما شاكراً وإما كفوراً
27 أغسطس, 2018يوم عاشوراء وفضله
25 سبتمبر, 2018العلم حاجة إنسانية لا مناص منها
لا تكتمل حياة الإنسان بدون هذا العنصر الأساسي الذي يعرف بالعلم،وهو في الواقع صفة الله الواحد القهار الذي ميَّز الإنسان عن الخلق كله بنصيب من هذه الصفة لكي يتمكن من معرفة ذلك المنبع الثر الذي ليس له حدود ونهاية، ويأخذ منه ابن آدم رشاشات بقدر همته، وبذلك يتميَّز على جميع أجناس الكائنات ويدخل في زمرة أفضل الخلق )وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ِ( [سورة البقرة: 31ـ32]. الواقع الذي يشير إلى أن هناك آفاقاً واسعة من العلم لا يكاد يدركها عقل البشر، وهو يأخذ منها بقدر ما يحتاج إليه في دفع مسيرة الحياة دون أن ينقص منها قدر ذرة أو أقل منها،وقد حصر العلم بعض أنبياء الله تعالى على ذات الله تعالى قائلاً: ) إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ( [سورة الملك: 26]. وهو يخاطب بها قومه الذين بعث إليهم، ولا ريب فيما إذا كان الله تعالى مركز كل علم وفهم وإدراك واسع إلى آخرالمدى، ولا يمكن أبداً أن يدرك فكر الإنسان مهما صحبه كل الآليات العالمية المتوافرة في عالم البشر،مبدء العلم الإلهي ومنتهاه، وقد أشار إلى هذه الحقيقة المعجزة في آيات كثيرة من كتابه العزيز، وعلى سبيل المثال نقرأ قول الله تعالى: )قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا( [سورة الكهف: 109]. ليس بحراً واحداً بل البحور كلها وبمثلها من البحور والبحور إذا صارت مداداً وكل ما في الأرض من الأشجار أقلاماً وكتبت بها كلمات الله لنفد مداد البحر كلها، وتكسرت أقلام الأشجار كلها، وبقيت كمات الله كما كانت، ولم تستوفها تلك البحور مداداً والأشجار أقلاماً.
الله أكبر! كيف يقدر العقل البشري بل العقول الكونية كلها أن تدرك مدى قدرة الله تعالى على هذه الكائنات، وما فيها من آثار القدرة الإلهية ظاهرة وخفية. وهل يمكن أن تُجمع العقول والعلوم كلها بأنواعها وألوانها وأوائلها وأواخرها ثم تركز على إدراك تلك القدرة بأقل بما يمكن، لا تكاد أن تنجح في هذه المهمة ولو بمثقال ذرة .
وقد جاء قول الربيع بن أنس في تفسير هذه المعاني يقول :” إن مثل علم العباد كلهم في علم الله تعالى كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله تعالى ذلك: )قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا( [ سورة الكهف: 109]. كانت تلك البحور مداداً لكلمات الله والشجر كله أقلاماً لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر وبقيت كلمات الله تعالى قائمة لا يفنيها شيء، لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي حتى يكون هو الذي يثني على نفسه”. إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول: إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها” (تفسير ابن كثير).
فأين الإنسان ـ أفضل الخلق كله ـ من بحور العلم التي تتموج وتتلاطم أمواجها باستمرارية كاملة، وليس ما يتعلمه الناس إلا أقل من قطرة ماء الدنيا، ورغم أن العالم كله من أوله إلى آخره الذي تملؤه المدارس والجامعات ومراكز العلوم بأنواعها لا يصيب من كل ذلك شيئاً نستطيع أن نسميه قطرة من علم الله تعالى أو أقل منها، وبهذه الكمية القليلة من العلم يعيش الكون بأسره ويتعلم أفراد الناس ما يتعلمونه ويلقبون بالعالم الكبير الواسع الثقافة الحائز من العلوم والمعارف ما يرفع قيمته و يرفعه على مسرح الدنيا بدرجات عالية لا تتيسر لكل عالم أو عارف او مثقف، وقد يتوافر هناك عدد كبير من ذوي المناصب العالية في العلم من تشد إليهم الرحال وتقطع مسافات طويلة للاستفادة من علمهم، والتاريخ حافل بذكر العلماء الأفذاذ ممن نشروا العلم وعُرفوا بذلك من رجالات العلم على جميع المستويات الرفيعة .
وما كل ذلك إلا من القطرة القليلة لبحور العلم التي تتلاطم أمواجه في عالم الملكوت الدائم، والتي أعلن عنها ربنا العظيم في كتابه إعلاناً مدوياً يأمر به رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم )قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(.
(سعيد الأعظمي الندوي)