أهمية طلب العلم بين الأمس واليوم!

ربيع الإنسانية الدائم
24 سبتمبر, 2025
ربيع الإنسانية الدائم
24 سبتمبر, 2025

أهمية طلب العلم بين الأمس واليوم!

سعيد الأعظمي الندوي
لولا أن طلب ا لعلم كان واجبًا دينيًا وإنسانيًا لما زخر التاريخ بأمثلة من طلبة العلم وبطولاتهم، وتحمل المشاق في هذا السبيل، وتقديم التضحيات بالنفس والمال، والمغامرة في الحصول على هذه المفخرة، ولقد رفع الله سبحانه وتعالى قيمة العلم، وبعث في نفوس ملائكته المقربين دافع طلب العلم، يوم جرى الحوار بينهم وبين الله سبحانه وتعالى حول قصة آدم عليه السلام وجعله خليفة في الأرض، عندما ردّ عليهم بقوله: “إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” [البقرة:30]، فكأن الله تعالى أشار بذلك إلى تعلُّم العلم والبحث عنه في جميع مظانه، ومنذ ذلك الوقت نال طلب العلم اعتناءًا كبيرًا في أوساط بني آدم وذريتهم، وقال الله تعالى: “لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” [النساء:114]، فالنجوى التي تنتج الأمر بالصدقة وبالمعروف، وتكون سببًا للإصلاح بين الناس، لا يتحقق إلا بالتمييز بين الصدقة والبخل، وبين المعروف والمنكر، ومن غير علم بما بينهما من رياء أو طلب لمرضاة الله، وكيف يستحق المرء أجرًا عظيمًا من الله تعالى؟! كل ذلك مما له صلة وطيدة بالعلم، وانصراف عن الجهل وما يليه.
لا ريب أن الإسلام دين العلم والعمل، ودين الإيمان والعبادة، الواقع الذي لا يدركه أي إنسان إلا إذا كان يعرف معنى العلم والعمل والإيمان والعبادة في وقت واحد، وهو لكي ينال هذه البغية كان بأشد حاجة إلى مدارس العلم التي تركز على تحقيق هذه النعمة بأنواعها، وتنظم طرق اكتساب جميع العلوم والفنون، وأنواع المعارف والمعلومات بوسائلها وأدواتها وطاقاتها التي خلقها الله سبحانه وتعالى مع تأكيد ضرورة العلم، فقال: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” [المجادلة:11].
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ضمن كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ” [محمد:19]، فبدأ بالعلم وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وُرِّثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقاً (يلتمس فيه) يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وقال جل ذكره “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” [فاطر:28]، وقال: “مَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ” [العنكبوت:43]، وقال: “هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ” [الزمر:9]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”.
بالنظر إلى هذه المكانة العالية للعلم الذي يربط المرء بخالقه ويعطيه معرفته، نزلت أول سورة من كتاب الله تعالى حول القراءة والكتابة وأدوات العلم والمعرفة، فكان ذلك أساسًا لبناء الحياة الإنسانية على قاعدة صلبة من العز والسعادة، وذلك ما حض الناس على السباق في طلب العلم، والخروج في سبيل ذلك إلى أي مكان تتوافر فيه وسائل العلم والمعرفة، وقد سارع السابقون الأولون من أفراد المجتمع الإسلامي إلى تحقيق هذه النعمة والأخذ منها بحظ وافر، فلم يتركوا مظنة من مظان العلم إلا وقد توصلوا إليها، مهما كلفهم ذلك من التضحيات الجسام، ومواجهة العوائق والعقبات، وهم الذين تحلت بهم صفحات التاريخ العلمي، وأشرقت بهم مدارس العلوم والمعارف، ومراكز التعليم والتربية، فما أجدرهم بأن نتخذهم نموذجًا في عصر العلم والتقنية الحديثة على المستوى العالمي، فأين طلبة المدارس الإسلامية في العالم الحديث اليوم من أولئك العلماء العباقرة الذين أفنوا أعمارهم وأوقاتهم الغالية في طلب العلم وحده، ولم يبالوا بأية حاجة من حوائج النوم والراحة، والجوع والفاقة، وتابعوا مسيرة التعب والمشقة والتضحية بكل رخيص وغال في كل حال.
فما أحوجنا نحن اليوم إلى أن نقتديهم ونحتذيهم حذو النعل بالنعل، حتى نتمكن من أخذ حظ من العلم، ولو كان قليلاً، أفلا نتذكر الآن ما قاله الإمام الغزالي لطالب العلم ووصاه به؟! قائلاً: ” العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك”.