منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (12)
25 سبتمبر, 2022منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (14)
27 أكتوبر, 2022منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (13)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي
….ويحق له أن يثور ثائره إذا ولغ أحد في عرضه، واستباح حرمته، وبحبه الشديد وكثرة كلامه عن أحوال العالم الإسلامي أصبح عرضة لسهام الناقدين الذين يتبرمون به إذا أراد ترشيد العالم الإسلامي ويضيقون به ذرعا إذا تحدث عن أحوال العالم الإسلامي فضلا عن توجيه الملامة إليه والانتقادات القاسية عليه، كتب الشيخ الندوي ردًّا على القائلين به مقالا يتدفق بحبه الشديد للعالم العربي والإسلامي ويبين صلته الوطيدة، ويفيض باعتراف أمجاد العرب ومكانتهم السامية في العالم: يقول:
“لست غريبًا في أي قطر من أقطار العالم العربي، ولا معرفتي بأحواله وأوضاعه مبنية على المصادر الثانوية؛ بل اختلفت إليه مرارا وتكرارا، قد عرفته عن كثب، وسبرت أغواره وأنجاده، وكأني عصفور من هذه الحديقة الغنية الفيحاء تحلقت في أجوائها، وتتمتعت بأجزائها، وتغنيت بكل غصن من أغصانها، ولم أبدأ فيما بدأت به من عملية الانتقاد بدافع مما جرى ويجري في الأقطار العربية والإسلامية من تقلبات غير إسلامية وإصلاحات غير مرضية فحسب، ولم يبعثني على توجيه النقد على زعماء العالم العربي وساسته مجرد الهزيمة الفاحشة للعرب في المعركة التي جرت له مع إسرائيل المحتلة، وشرح أسباب الهزيمة وخلفياتها، ولا تصديت للنقد فجأة بل عشت في العالم العربي ودرست تاريخه دراسة متأنية وخبرت أوضاعه المعاصرة عن كثب دون طريق غير مباشر، وأرى نفسي – بصفتي مسلمًا ودارسًا للحضارة العربية والإسلامية – جزءًا من الأسرة الإسلامية العظيمة التي امتدت من مراكش إلى بغداد، أقاسم أفراحها وأتراحها وأشاطر مسراتها وأحزانها، أرى سعادتي بسعادتها وشقائي بشقائها، إذ أن العالم العربي محط آمالي ومعقد رجائي، فقد أغرمت بالجزيرة العربية منذ عهد الطفولة، وظللت مولعًا بحضارة العرب العرباء ومدنيتهم الرائعة وآدابهم الرفيعة ولغتهم الساحرة وأساليب كلامهم الآخذة بمجاميع القلوب وحسن تصرفهم فيها، اختمرت طبيعتي بحب العرب والعربية وسرى في لحمي ودمي حتى تغلغل في أحشائي، فأنا أولى بثروة العروبة الثقافية والحضارية وأكثر الناس استحقاقًا بها ولا تقل جدارتي عن طه حسين والعقاد وأحمد أمين وكرد على، وإنني أعترف بأني ولدت في قرية نائية عن الجزيرة العربية، ونشأت في أرض عجمية بعيدة عن موطن الإسلام ومهد العروبة، ولكني استخدمت العربية كأداة فعالة للتعبير عما يختلج في نفسي من المشاعر والأحاسيس أكثر من لغة أخرى”. (كارثة العالم العربي: 159).
وإن مجلة “البعث الإسلامي” التي أنشأها ابن أخيه الكاتب القدير الأستاذ محمد الحسني -رحمه الله- تحت رئاسته قد لعبت دورًا ملموسًا في ترشيد العالم الإسلامي والثورة على التحولات الباطلة بتأثير من الحضارة الغربية، فكتب الأستاذ محمد الحسني مقالات ثائرة على الاتجاهات السلبية والأفكار الزائغة التي شاهدتها أرض مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فكأنه شكل جبهة حاسمة على زعماء العرب الذين تأثروا ببريق الحضارة الغربية ولمعانها، وكان لها صدى واسع في الأقطار العربية، حتى التجأت السفارة المصرية إلى حكومة الهند ورفعت شكواها عن أصحاب البعث الإسلامي، حتى تخوف أن يضيق عليهم الخناق، وفرضت على أصحاب المجلة بعض القيود، ولكنهم ظلوا قائمين على الحق والجهر بكلمة الإخلاص وإعلاء كلمة الله، ونجحت جهودهم في مكافحة سيل الحضارة الغربية الجارف، وتحققت أحلامهم إلى حد كبير، وأشاد بجهودهم كثير من علماء العرب، ومنهم الشيخ المجاهد محمد محمود صواف حيث قال: ” لم يسبق شيء مجلة “البعث الإسلامي” وما قامت به من الجهود في كشف سوءات الناصر ونواياه الخبيثة”.
محاولات الشيخ الندوي في مجال إصلاح القادة والزعماء
إن الشيخ الندوي كان له منهج ينفرد به في مجال الإصلاح والإرشاد، فإنه يثور كالليث ويبين موقفه بصراحة دون هوادة إذا كان رأى ما يخالف العقيدة الإسلامية والثوابت الدينية، وأما إذا كانت القضية قضية التساهل في العمل بالشريعة والتكاسل في التطبيق فيسلك حينئذ مسلك العفو والإغماض، وإن كان ذلك شيئا جليلا، استمر الشيخ الندوي في ترشيد الزعماء والقادة في العالم الإسلامي، اتصل بهم وفاوضهم في القضايا الدينية والإسلامية وراسل إليهم بأسلوبه الناصح الحكيم وأرشدهم إلى ما فيه صلاح الأمة العربية والإسلامية معرضا عما هم فيه من البعد عن الدين والعمل بأحكامه، ولم يشكل جبهة للهجوم عليهم والنيل من كرامتهم، إلا أنه قام بترشيدهم بكل حكمة وإخلاص وكل رفق وهوادة.
ونذكر -فيما يلي- بعض جهوده الدعوية الإصلاحية التي قام بها في الأقطار العربية والإسلامية بجانب ذكر اتصالاته وحواره مع القادة والزعماء، وإذا تأملنا هذه الجهود وجدناها تقتصر على أمرين:
(1) إيصال كلمة الحق إلى زعماء العالم الإسلامي وقادته دون مجاملة ولا مماطلة.
(2) اختيار الطريق الأفضل للدعوة.
وإنهما مما اقتبسناه من كتبه ومحاضراته وخطبه ومواعظه.
المملكة العربية السعودية
سافر الشيخ الندوي سنة 1947م إلى الحجاز يقصد الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف، وكانت الجزيرة العربية في الفترة من الزمن بدأت تتجه إلى جهة غير رشيدة وتغيرت في شيئ كثير من عاداتها وتقاليدها، شاهد الشيخ الندوي ما كانت عليه الجزيرة العربية عن كثب، وأحوالها وأوضاعها بنظر الداعية الحكيم البعيد الغور، فأقض مضجعه ما رآه من تدهور الأمة العربية في الأخلاق وإفلاسها في الحمية العربية وابتعادها عن الصفات التي عرفت بها من القديم، وكتب بعد مغادرة الجزيرة العربية إلى ولي العهد للمملكة مكتوبا يملؤه النصح والخير، وإنه لأول محاولة قام بها لمناصحة الحكام والقادة في العالم الإسلامي، فقد تأثرت بجهوده الدعوية المخلصة النفوس الكثيرة، لكونها تشتمل على الصدق والإخلاص، ولأسلوبه البليغ المؤثر على النفوس، ومن أبرز من تأثر به الشيخ عمر بن الحسن آل الشيخ الذي كان رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والمنكر وصاحب الثقة لدى الأمير السعود، وهو الذي أرسل به الشيخ الندوي مكتوبه ذلك إلي الأمير، وقد قرأ المكتوب في مجلس الأمير كما ذكر بعض الناس.