الإسلام معجزة خالدة
4 نوفمبر, 2024العقيدة والاستقامة
10 ديسمبر, 2024قضية التربية وحضارة الغرب
سعيد الأعظمي الندوي
قضية التربية الخلقية والاجتماعية تتعقد اليوم بشكل مرعب، فإن الظروف الحضارية والأوضاع السياسية في كل مكان تأخذ أكبر نصيب من فكر الإنسان واهتمامات، وتشغله بمشكلات منوعة تستغرق وقته وجهوده، وتستنفد مؤهلاته وطاقاته، فلا تسنح له فرصة للتفكير في التربية الخلقية والتوجيهات الدينية التي يحتاج إليها الأبناء والنشء الحديث والشباب الفج،ونتيجة لهذا الفراغ التربوي تطرق إلى المجتمعات الإنسانية كثير من المسائل المعقدة التي تستولى على الحياة وتنحرف بها عن جادة الحق الطبيعية.
هذه الظروف الحضارية ذات الملابسات العقلية والمادية إنما تصنع لسد الطريق نحو التربية السليمة،وتلويث الجيل الناشئ بالأفكار الهدامة،والحيد به عن طريق الحق والعقيدة وسلامة الضمير، إنها لا تستهدف إلا إفساد العلاقات الاجتماعية بين أبناء المسلمين، وإبعادهم عن ساحة الوحدة والتعاون على البر والتقوى، وهدم القيم والأعراف والمصالح الدينية والخلقية.
ولقد تمَّ ما أرادته هذه الحضارات الصناعية من توجيه السوءات واللعنات إلى المجتمعات المسلمة، وتحطيم العلاقات المخلصة بين أفرادها، وإشعال نار العداوة والبغضاء في النفوس، وقطع صلتها عن تاريخها المجيد، وماضيها التليد، إنها قامت بحث المسلمين على استئناف سيرهم في ظل الحضارة الحديثة، ووضع تاريخ جديد لهم، يكون أرقى وأوسع وأحدث من تاريخهم القديم.
انطلاقاً من هذه الفكرة السيئة ركزت الحضارة الغربية عنايتها على توفير وسائل الهدم وإعداد فوج من الشباب والمثقفين بالثقافة الغربية، ممن يتوفرون على تشويه أشكال للتاريخ الإسلامي، وهدم معالم الإسلام ورفض وجود للحضارة الإسلامية، وفعلاً واجه المجتمع الإسلامي هذه المحاولات المضادة للحكمة ورد عليها أصحاب الدعوة والفكر الإسلامي بشرح تعاليم الإسلام في سبيل إسعاد الحياة وربط صلة الإنسان بمصدر الخلق والأمر وذلك بالدعوة إلى التدبر في آيات الله المنبثة في الكون كله، من السماوات والأرض والليل والنهار والشمس والنجوم، والكائنات الحية الكثيرة التي تنطق بألف لسان، أن هناك إلهاً واحداً فحسب، ليس له ند ولا شريك، وهو العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير.
ولو أن هؤلاء الحضاريين فكروا قليلاً في هذه الحقيقة الكبرى، ووسعوا لها صدورهم، لكانت السعادة الحقة أتت إليهم بجميع مفاهيمها وتصوراتها المادية والمعنوية، وتوافرت لهم نعم الدنيا والآخرة، وعاشوا في هذه الدنيا مغبوطين منصورين.
إلا أن الحقد على الإسلام وأهله قد امتزج بلحومهم ودمائهم، وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فلا أمل في عودتهم إلى رحاب الإسلام، وطبيعة الدين، ولا يعيشون إلا توترًا عصيبًا يعلنون فيه الحرب على الإسلام بلسانهم ويتآمرون على سلامة الحق والضمير، بقلوبهم ومكائدهم، ويبذلون جهودًا لنشر الفساد بين المجتمعات الإنسانية وتحريف العقائد الدينية وتشويه الحقائق الإيمانية، والحيد بالجيل الإسلامي عن طريقه وصرف عنانه إلى الانحراف والشقاء والفساد بجميع أنواعه.
إن هذه الطائفة لممن ختم الله على قلوبهم فلا يفقهون القول ولا يميزون بين الحق والباطل، وهم في غيهم يعمهون، وفي ضلالهم يتمادون، ويتظاهرون بالعداء ضد الإسلام والمسلمين، وقد آلوا على أنفسهم أنهم لا يتركون سبيلاً من الإفساد والإغراء إلا ويسلكونه.
ونحن المسلمين في هذه الظروف بأشد حاجة إلى التغلب عليهم بقوة الصبر والإيمان، ومقاومة الفتن والشرور التي يتولونها بجنة الحكمة والعلم، ووضع خطط للتربية الحكيمة التي تغطي كل شيء من مؤامرات الأعداء وتقوم بإحباطها، دون أن تقع أجيالنا فريسة لمخططاتهم العدائية.