الحكمة في سلوك الإنسان

روحانية الرسول صلى الله عليه وسلم
26 نوفمبر, 2022
سلامة الصدر من الأحقاد
26 ديسمبر, 2022

الحكمة في سلوك الإنسان

الدكتور عبد القادر الشيخلي

الإنسان الذي يتصف بالوعي والحصافة والمروءة يعيش الحياة الاجتماعية طولاً وعرضًا، بنهاراتها ولياليها، في أيام بهيجة تارة، وأخرى ليست كذلك.

يلتقي الإنسان بالحكماء كما يلتقي بآخرين، فيستفيد من الأولين، ويتجنب الآخرين.

ويعتاد على الكلام اللين الرصين، ويتدخل في ما هو موجب للتدخل، ويعزف عن ما هو جدير بالامتناع، فيساعد من هو أجدر بالمساعدة الإنسانية، ولا يكترث بأناس ليس لهم كفل من المروءة فيقارن بين سلوك وآخر.

ويتكلم في ما هو أجدى بالكلام ويصمت في ما هو أجدر للصمت، وبين هذا وذاك يجد الراحة في قلة الكلام، فكم من كلام قاد صاحبه لمشكلة عويصة وربما للتهلكة.

وكم من كلام أفاد ناطقه واستفاد منه الآخرون، والإنسان الحكيم لا يكون صندوقًا مغلقًا إغلاقًا كاملاً فيتردد الآخرون في صحبته أو نيل النصح منه.

ولا يكون متطفلاً على معلومات الآخرين وحقائقهم وأسرارهم، والتنقيب عن فضائحهم، وهي هواية أصحاب النفوس المتعطشة للصغائر.

والحكمة تقتضي أن تكون نسبة عالية في حياة الإنسان موضوعة للخصوصية الشخصية، فنحترم خصوصية الآخرين وميولهم واختياراتهم الخاصة…

هذه هي شؤونهم وجانب كبير منها هي أسرارهم الخاصة وثمة من يملك هواية التفتيش عن أسرار الآخرين وفضائحهم، وهذا مجال لثلم الشخصية وتشويه السمعة والحط من شأن من يكون مظلومًا. كثير من المعلومات الشخصية للفرد هي بمثابة حقيقة حياته ومقاصده ومشروعاته الراهنة والمستقبلية، فلا يقف عليها إلا خاصة الخاصة، والخاصة اليوم يصبحون أعداء الغد، وخاصة الخاصة هم الأصدقاء النبلاء الفضلاء الأتقياء الأنقياء، ولاسيما إذا كانوا أقرباء في الأسرة أو العائلة.

إن العلاقات الاجتماعية ضرورية، وهي مفيدة أيضًا. وبخاصة في المجال النفسي والسلوكي، والانخراط بها يكون بوعي والتزام، فمثلما تشهد حركة قدميك في الطريق بغية ألا تتضرر فإن العلاقات الاجتماعية منها ما هو ضار ومؤذي، وأكثرها مفيد وضروري.

ومن الأهمية بمكان أن يراجع الإنسان نفسه في هذه العلاقات، ولعل الكريم هو الفائز في المباراة الاجتماعية، أما البخيل فقد خسر نفسه ودنياه وآخرته، والإنسان الحكيم هو الذي يتعلم في كل يوم، والحياة تضخ دروسًا مستفادة في كل حين، بعضها متكرر والبعض الآخر جديد، فيتحول الإنسان إلى الازدياد من الحكمة، والتعلم من أخطائه وتقديراته الضحلة، فتقوده التجارب والخبرات إلى المواقف الجليلة والسلوك الرشيد، ولعل الثرثرة أو كثرة الكلام لها نتائج غير إيجابية وإنما يكون الإنسان مستفيدًا لنفسه ومفيدًا لغيره، فالحكيم يملك مؤهلات وخبرات بعضها خاصة بالعلم النفسي والاجتماعي فيقدمها للغير ولمن يرغب بالحقيقة المجردة، فيكون إنسانًا متميزًا بمروءته، والإنسان الحكيم لا ينشغل بالثانويات أو الفرعيات من الأمور وسفاسف الأحوال وإنما يركز على الجواهر في السلوك والأقوال فيرتقي برتبته الخاصة ما دامت الحياة قصيرة، ومثل هذا الإنسان يكون لبيبًا ولذيذًا لنفسه وللآخرين، فهو مفيد ومستفيد وهذه هي سيرة الحياة الفضلى.

×