ما زال ولا يزال حكمه الآسر بمجامع قلوبنا
16 سبتمبر, 2023دوحة فكرة شيخنا الفقيد لم تزل تتشعب مثمرة وزهرة مجهوداته العلمية لم تزل تزهو متفتحة
16 سبتمبر, 2023منعاك مناعي يا عم جعفر!
أبو سفيان بن محمد مهر اللقاء
من سنة الله سبحانه وتعالى في هذا الكون لجميع مخلوقاته أنه لم يكتب لأحد الخلد ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ” [ الأنبياء: 34].
ولو كان في الدنيا بقاء لساكن
لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مخلدا
وما أحد ينجو من الموت سالما
وسهم المنايا قد أصاب محمدا
يا عم جعفر! فجريًا على هذه السنة الكونية استأثر الله بك يوم الخميس 21 من شهر رمضان المبارك 1444هـ المصادف 13 من أبريل 2023م، فتلقيت نبأ وفاتك ما بين الظهر والعصر بقلب منفطر، وعين دامعة، فتضاعف الحزن من كل جانب، قد مزق الأسى قلبي، وقطع الحزن كبدي، وأظلمت الدنيا، وتضاءلت الشمس، وطمس القمر، واهتزت الأرض، وزالت الرواسي، وبكت السماء، وهوت الكواكب، وإذا بي ترتعد فرائصي، وأستنكر نفسي، ولا يكاد قلبي يصدّق سمعي، وكأني بناع ينعاه، فلم نجد بدّاً إلا أن صدقناه، أنه قد جرى القدر وانتهى الأمر.
يا عم جعفر! أشعر لفقدك بصدمة لا توصف، ومأساة لا تذكر، أسير أنا في هذه الحياة فالحزن يرافقني، والفرح يهجرني، وفي القلب حزن لا يذهبه سرور، ولا يعالجنا صبر، ولا تشفينا عبرة، تذرف الدموع بفراقك، وتنقطع القلوب بوفاتك، وقد أصبح العالم بعدك بارداً لنا، وصار الكون بفراقك مظلما لنا، لا لذة في الحياة بغيرك، ولا قيمة للحياة بغيرك.
وكلُّ سُرورٍ صار بَعْدَك تَرْحَةً
وكلُّ بشيرٍ صَارَ عنديِ نَاعِيَا
ياعم جعفر! وكم من الأحياء يموتون كل يوم، ولا يعبأ بهم الناس، بل كم من العلماء يموتون ولا يكترث بهم الناس، يموت البعض فيضطرب العالم بوفاتهم، وأنت منهم، لأن دورك عظيم ونفوذك كبير في الدوائر الدينية والعلمية والأدبية والفكرية والاجتماعية وإذا الأشخاص يكونوا مثل ما كنت كانت المصيبة بفقدهم أشد وأعظم.
وما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنــــه بنيــــان قوم تهـدمــــا
يا عم جعفر! كنت مصباحا ضاء ثم انطفى، ونجما تألق ثم هوى، وقمرا طلع ثم اختفى، وشمسا أشرقت ثم احتجبت.
كانت حياتك للدنيــا وساكنها
نورا فأصبح عنها النور محجوبا
يا عم جعفر! موتك موت قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ومَوْت الْعَالِمِ مُصِيبَة لَا تُجبرُ، وثُلمة لَا تُسَدّ، وهُوَ نَجم طُمِسَ، مَوتُ قَبِيلَة أَيسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِم.
وقال سيِّدنا عُمَرُ رَضِي اللهُ عنهُ: مَوتُ ألفِ عابِد قائِمِ اللَّيلِ صائِمِ النَّهارِ أهوَنُ من مَوتِ عالِمٍ بَصيرٍ بِحَلالِ الله وحَرامِهِ. (من كتاب إحياء علوم الدين).
وقال الحسَن البَصري رَحِمَهُ اللهُ تعالى: موتُ العالم ثُلمَة في الإسلامِ لا يَسدُّهُ شيءٌ ما اختَلَفَ اللَّيل والنَّهار.
يا عم جعفر! إن موتك قد فتح ثقبا لا يسده شيء، ولا يحتل مكانك بعدك أحد، قد كنت فريد عصرك، ووحيد دهرك، وقد كنت رجلاً لا يأتي الزمان بمثلك:
هَيهاتَ لا يَأتي الزَمانُ بِمِثلِك
إِنَّ الزمـــان بِمِثــــلِك لَبَخيلُ
فوداعاً يا ذروة المجد والشرف، ومفخرة الندوة ودارعلومها، ووداعاً يا رأس الرجال، وشموخ الجبال، الدنيا تبكيك، والشاعر يرثيك:
تفجرت الدنيـــا دموعـــا مريـرة
على فقدها العملاق والكل صائح