ما زال ولا يزال حكمه الآسر بمجامع قلوبنا

رحلة حجازية للأديب الأريب الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
16 سبتمبر, 2023
منعاك مناعي يا عم جعفر!
16 سبتمبر, 2023

ما زال ولا يزال حكمه الآسر بمجامع قلوبنا

مرسلين أحمد مرسل

الطالب بدارالعلوم لندوة العلماء، لكناؤ

تفتت أكبادنا وانشقت قلوبنا وتهطلت الدموع من عيوننا واهتز كياننا وارتعشت أيدينا وارتجفت أقلامنا فعدمنا أميرنا وحرمنا أبانا ومرشدنا وفقدت بضاعتنا وافتقدنا بدرنا وغشينا الكمد والغم والهم والألم والحزن في تلك الليلة الظلماء

فرحم الله تعالى “شيخنا العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي” ولطف به وأكرمه بالجنات والنعيم المقيم.

واجتمعت في شخصيته الفذة صفات متميزة ومتنوعة وخصائص بارزة ومزايا حسنة وحسنات جمة من العلم النافع والأدب الحي النقي والفكر الصالح والقلم السيال العذب والقيادة الفذة وصنع الرجال وتهذيب النفوس وترشيد الحركات الإسلامية وتوجيه النشء الجديد وتثقيف اللسان وصقل الأقلام وحسن التعامل مع الآخرين والصبر والصفح والحلم والتواضع والإخلاص والصفاء “فلا نقول إلا “ما زال ولا يزال حكمه الآسر بمجامع قلوبنا ما دامت السماء والأرض”.

وكانت حياته حياة نموذحية سنية ساذجة مقتدى بها لا كلفة فيها ولا استعلاء ولا افتعال ولا فخفخة ولا غرور.

وشخصيته العظمى تمثل رجلا مثاليًا في مجالات الحياة كلها، كما ترون وتجدون من خلال حياته اليومية وكتاباته أن حياته تزخر بالمؤهلات العلمية والدينية والفكرية والأدبية والأعمال الجليلة الهائلة وينبع من شخصيته علو الهمة وصلابة الفكر ونضج العقل وحدة الذكاء وقوة التفكير ولطافة الخيال ودقة النظر ورقة الشعور وتصوير المشاعر ووضوح البيان وروعة الأسلوب وسعة الدراسة والثقافة والوقوف على القضايا الإنسانية كلها والعثور على المصادر القديمة والحديثة والإلمام باللغة الفارسية والإنجليزية فضلا عن اللغة الأردية لغة الهند العلمية والإطلاع على النظريات المعاصرة والتحليل العلمي والاتزان فيه.

وكان شيخنا أديبا واقعيا وكاتبا مترسلا وناقدا عاليا ولا ريب أنه كان متمكنا من الزعامة الأدبية في العصر الراهن ولعب دورا مهما في حقل الأدب العربي الصالح وفي التأصيل والتصحيح لمسار العمل الأدبي والفكري وبذل قصارى الجهد فيه.

وأما أدبه فهو يصور المجتمعات الإنسانية كلها ويعالج قضاياها ومشكلاتها ويدعو الناس إلى الترغيب بالخير والتنديد بالشر ويفعم النفوس بحرارة الإيمان ويشحذ العزائم بروح التضحية ويدافع عن الإسلام ويذود عن الإنسانية وينافح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

كان تاريخ الأدب العربي منذ بدء التأليف يغلب عليه طابع التقليد للمغتربين والمستشرقين ويطغى عليه الفكر الأوربي فثم ركز الإمام أبوالحسن علي الحسني الندوي جل عنايته على هذا الجانب الأهم ووضع خطا جديدا بصدد تخليص هذا الموضوع من التأثير الأجنبي وسار على هذا المنوال الشيخ محمد الرابع الحسني وألف كتابين عظيمين” الأدب العربي بين عرض ونقد” والأدب العربي من العصر الإسلامي، وذلك في أسلوب رشيق سهل متزن ويرشح بالنفحة الأدبية وصور فيهما تصويرا نفسيا واقعيا وبحث تاريخيا وجغرافيا وشمولا واحتواءا بلباقة وأناقة.

وكما لا يخفى علينا من محاولاته ومجهوداته لكشف القناع عن الوجه الكالح للاستشراق والاغتراب وإزالة الستار عن مؤامرات الأعداء ضد الإسلام والتخلص من الأفكار الفاسدة والدعوة إلى الصراط السوي والاتصال بكتاب الله العظيم وإيقاظ الروح الإسلامية وإثارة الشعور الإسلامي في نفوس المسلمين من خلال كتاباته وكتبه وخطبه.

وكان شيخنا على درب خاله ومرشده المفكر الإسلامي الإمام السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي في أعماله ونشاطاته وفي جميع الشؤون التعليمية والتربوية والإدارية والفكرية والأدبية والثقافية والدعوية والإصلاحية كما كان متربعا على كرسي الرئاسة لندوة العلماء وكان رئيسا لهيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند وكانت له إسهامات طائلة في فعاليات رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

هذا ولكن لم تنته انطباعاتي المخلصة حول شيخنا إلا جف قلمي.

تغمده الله برداء رحمته وتقبل مساعيه المشكورة.

×