دراسة كتاب “القرآن الكريم كتاب هداية للإنسانية” للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023رحلات الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى
16 سبتمبر, 2023حوار مع الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى
الدكتور غريب جمعة
[أجرى الدكتور غريب جمعة حوارًا مع الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في حياته عن طريق المراسلة، ونشرته مجلة “البعث الإسلامي” ونحن نعيد نشره في هذا العدد الممتاز لصحيفتنا “الرائد” بتغيير يسير لتعم الفائدة]
س: لو أردنا أن نقدم للقارئ بطاقة تعريف بسماحة شيخنا السيد محمد الرابع الندوي رئيس جامعة ندوة العلماء – خلفًا لسماحة العلامة السيد أبي الحسن الندوي – فماذا تحتوي هذه البطاقة؟(المولد – النشأة – التعليم – المناصب التي توليتموها – وما ترون إضافته).
ج: أما هذا الكاتب فهو محمد الرابع بن السيد رشيد أحمد، الحسني نسباً والندوي دراسةً، بدأت دراستي الأولية في البيت، ولما بلغت سن الالتحاق إلى المدرسة أسندت أمي الإشراف على تعليمي إلى سماحة الشيخ الندوي وكانت شقيقته الكبرى. فنشأت في مجال التعليم والتربية تحت إشراف سماحته وتوجيه أخيه الأكبر سعادة الدكتورالطبيب والعالم الشيخ عبد العلي الحسني أيضًا، وأسرة والدي والدتي واحدة، يجتمعان في النسب في أجدادهما.
ولدت في قرية تكية كلان دائرة الشاه علم الله الحسني بمديرية رائى بريلي بشمالي الهند، وكان ميلادي في 17/10/1929م، تعلمت اللغة العربية من سماحته بصورة خاصة ثم درست في دار العلوم ندوة العلماء العلوم الدينية والاجتماعية والآداب، وانتسبت إلى بعض الجامعات الإسلامية الأخرى أيضًا، وذلك لفترات قصيرة، وأتممت دراستي في دارالعلوم ندوة العلماء بإكمال مرحلة الدراسات العليا فيها، ثم عينت معيداً، ثم أستاذاً في قسم الغة العربية والثقافة الإسلامية، وكان ذلك في أوائل الخمسينات من التاريخ الميلادي، وزرت في سنة أحدى وخمسين بلاد الحجاز مع خالي الشيخ أبي الحسن رحمه الله، وبعد أداء فريضة الحج تركني خالي رحمه الله فيها للاستفادة العلمية من مكتبات مكة المكرمة والمدينة المنورة ومن علمائها، وللاشتغال بما يسهل لي من العمل الدعوي، فقضيت في ذلك أكثر من سنة.
ثم رجعت إلى دار العلوم ندوة العلماء لمواصلة العمل التعليمي في قسم اللغة العربية، وصرت بعد عدة سنوات رئيساً للقسم، ثم بعد سنوات عميداً لكلية اللغة العربية والدعوة، ثم بعد سنوات مديراً لدار العلوم ندوة العلماء، واختاروني بعد وفاة سماحة الشيخ أبي الحسن على الحسني الندوي رحمه الله تعالى لمنصب – ناظم – (الرئيس العام) لدار العلوم ندوة العلماء وغيرها من أقسام ندوة العلماء الأخرى، وبإضافة إلى ذلك اختارني المجلس التنفيذي للمجمع الإسلامي العلمي أيضًا رئيساً له بعد أن كنت أميناً عاماً له في حياة سماحة أستاذنا الشيخ الندوي، كما اختارني المجلس التنفيذي لمجلس التعليم الديني في أترا براديش أيضًا رئيساً له بعد وفاة رئيسه سماحة الشيخ الندوي.
وأتمتع بالعضوية في رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئاسة مكتب البلدان الشرقية للهند وما حولها، وبالعضوية في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد بريطانيا، وبالعضوية في طائفة من الجمعيات والمؤسسات ودور العلم والأدب، ولله المنة والفضل.
س: قرأنا كثيراً في كتب الإمام السيد أبي الحسن الندوي أنكم كنتم رفيق أسفاره وساعده الأيمن في أمور كثيرة، فهل لكم أن تحدثونا بشيئ من التفصيل عن صلتكم بذلك الإمام الجليل وأقر هذه الصلة عليكم؟
ج: إن رحلات سماحة أستاذنا الشيخ الندوي كانت بصورة غالبة في سبيل الدعوة أو للحضور في المجالس التأسيسية أو الاستشارية للجامعات أو الجمعيات التعليمية ومراكز الدعوة، أما ما كانت منها في خارج الهند فقد كان سماحته يختارني في أكثرها لمساعدته الشخصية، ويستخدمني في شؤؤن دعوية وأدبية كذلك، وذلك أفادني كثيراً بالاطلاع على الأسلوب الدعوي والمنهج العلمي والحكمة والآداب التي كان سماحته ينتهجها في أعماله العلمية والأدبية والدعوية واللقاءات مع الشخصيات الهامة في الوطن الإسلامي المتنوع الأقطار، وقد أفادني ذلك في معرفتي بكل ذلك ليمكنني العمل بمقدار منه إذا وفقني الله لذلك فأكون جزءاً ومشاركاً لمن يقومون بمواصلة عمل التعليم والتربية والدعوة الذي قام به سماحته في حياته الطيبة.
س: لاشك أن انتقال الإمام الندوي إلى رحمه الله ترك فراغاً كبيراً في العالم الإسلامي عامةً، وفي الشعب المسلم الهندي خاصةً، فما هو تقييمكم للأوضاع التي طرأت على الشعب المسلم الهندي بعد ذلك الرحيل؟
ج: إن الهند مليئة بالقضايا المهمة والشائكة بالنسبة إلى المسلمين، وإلى تمسكهم والتزامهم بالتعليمات الدينية والتوجيهات الإسلامية، منها ما هي على الصعيد الاجتماعي، ومنها ما هي على الصعيد الثقافي، ومنها على الصعيد الديني، ومنها ما هي على الصعيد التعليمي، وللمسلمين أحزاب وجبهات وجامعات إسلامية تؤدي أدوارها في هذه المجالات المختلفة، ولكن أكثرها متفرقة في المجال الاجتماعي ومنحازة كل إلى نفسها، وتصطدم آراؤها أحياناً فيما بينها، وتختلف مناهجها وأهدافها، كل على حسب مصالحها الخاصة، وفي هذا التفرق ضرر للمصلحة الإسلامية العامة، وكانت شخصية سماحة أستاذنا مقبولةً لدى الجميع لسعة أفقه واعتداله ولعدم انحيازه الحزبي، ولتقديره لكل الجهود التي تبذل لمصلحة الإسلام أيّاً كان حزبها أو جمعيتها، وكان يناصر ويساعد في الجهود البناءة لمصلحة الإسلام والمسلمين، فبلغ بذلك سماحته إلى درجة القبول لدى أكثر هذه الجمعيات، وبخاصة عندما تفتقر الجمعيات الإسلامية إلى شخص واحد يمثل المسلمين جميعاً، وكان أصحاب وجهات النظر الإسلامية المختلفة ومسئولو الأحزاب كثيراً ما يتفقون على اسمه عندما يفتقرون إلى اسم واحد لتمثيلهم، ومن ذلك أنهم كانوا اختاروه رئيساً لهيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند التي قد اتفقت عليها أصحاب وجهات النظر الإسلامية في الهند، وقد استطاع سماحته بتمثيله الحكيم للمسلمين لدى الحكومة أداء لدور عظيم جداً في بعض قضاياها الصعبة بل شبه المستحيلة في حلها بتعاون زملائه في الهيئة، وفي مقدمتهم سماحة الشيخ منة الله الرحماني – رحمه الله تعالى – الأمين العام السابق للهيئة، وفي ذلك بحكمته الخاصة وبمنهجه العلمي والدعوي الخاص، ولذلك وجد المسلمون بعد وفاة سماحة الشيخ الندوي فراغاً كبيراً رأوها لملئها اختيار عدة أشخاص على حسب اختلاف المجالات ونظراً للأوضاع والأحوال في البلاد، والقضايا في بلد الهند لا تزال طالبةً لكفاءات ممتازة، نرجو من الله تعالى أن يوفقهم لأداء دور مطلوب منهم.
كان الناس قد رأوا سماحته أنه يتمتع باحترام كبير لدى ذوي النفوذ والتأثير على الأوضاع من أصحاب الزعامة والحكم كذلك، وذاك لإخلاصه في خدمة الحق والأمة وزهادته فيما في أيدي الناس، وذلك كان يساعده في سعيه لحل قضايا شائكة وصعبة بقدر ما لا يستطيع غيره من القادة، كما كانت كلمة أصحاب النظر الإسلامي المختلفين تجتمع على شخصيته كما لا تجمتع على شخص آخر، ولكن الأمور بيد الله وهو يهيئ الأشخاص الأكفاء لأعمال عادية وخاصة، وهو الذي يعوض المسلمين عمن يفارقوهم من أصحاب الكفاءات القيادية، وأرجو أن توزيع المسئوليات على القادة حسب الكفاءات يسد الخلل الذي يحدث من وفاة شخصية تجمع أصحاب الاتجاهات المختلفة وتؤثر على أصحاب السلطة والحكم كذلك بخصائصهما الفذة، وهذا حل يختاره المسلمون في مثل هذا الحادث.
أما في خارج الهند فقد كان سماحته يقوم بجولات ويحضر اجتماعات، يتحدث فيها إلى أصحاب التأثير والنفوذ في البلاد، وفيهم الملوك والوزراء، وكان يسعى للفت أنظارهم إلى الأدواء التي تعرّض الشعوب الإسلامية للخطر في كيانها الديني والثقافي والفكري، ويسعى لتبصريهم بما يجب على قادتها لصيانتها وحفظها والرقي العلمي المفيد للإنسانية والحضارة، وذلك بمحاضراته التي كان يرتجلها بالعربية للعرب، وبالأردية لأصحاب أردو، وبكتاباته وتأليفاته، وغالبية هذه المحاضرات والتأليفات مطبوعة ومعروفة. ومما يبعث على مزيد من الأسف أن وفاة سماحته رافقت وفيات طائفية من قادة المسليمن والشخصيات البارزة في العالمين العربي وغير العربي، ندعوالله تعالى أن يعوض المسلمين قادةً أكفاء يملأون الفراغ الحاصل من هذه الوفيات.
س: ما هي أهم التحديات التي تواجه المسلمين في الهند وكيفية مواجهتها في نظركم؟ وما هو المطلوب من خارج المسلمين خارج الهند للوفاء بحق الأخوة في الإيمان والوحدة في الدين؟
ج: إن أهم التحديات التي يواجهها المسلمون في الهند هي عديدة ومتنوعة، منها ما هي في مجال التعليم العام حيث إن أولاد غير المسلمين من أغلبية سكان البلاد ينالون فرصاً أكثر وأحسن للتعليم دون أولاد المسلمين، ويأتي النقص في ذلك أولاً من جهة تغافل رجال الحكم ومسؤولي التعليم العام وهم أبناء الأغلبية غير المسلمين، وهم قلما يحبون رقي المسلمين، وقلما يساعدون أبناء المسلمين للتقدم في التعليم، وبجنب ذلك يقع للمسلمين مانع آخر أيضًا وهو أن التعليم العام في الهند مصطبغ بالصبغة العلمانية الممزوجة بالهندوسية المشركة، فأولاد المسلمين يقعون منه في خطر أيضًا، وذلك في شأن معتقداتهم الدينية ونظراتهم إلى تاريخهم الماضي ومنجزاتهم العظيمة وبذلك يقع من المسلمين أنفسهم أيضًا التهاون في إدخال أولادهم في المدارس العامة بسرعة، على كل فإن قادة المسلمين في الهند يواجهون مسؤولية مزدوجة نحو تعليم أبناء المسلمين وهو أن يسعوا أولاً أن ينال أولاد المسلمين فرصاً متكافئةً للتعليم مع غيرهم من أبناء الأغلبية حتى يستعدوا لمواجهة تحديات الحياة الراقية بكفاءة وقدرة، وثانياً أن يكون أبناؤهم محفوظين في معتقداتهم ودينهم من التحول منها إلى غيرها.
فنظرًا إلى هذا الوضع اختار قادة المسلمين العمل في مجالين: أولاً إنشاء مدارس للتعليم العام خاصة بالمسلمين، وذلك حق يعطيهم الدستور الهندي، وثانياً إنشاء مدارس جانبية إسلامية محدودة الوقت تقوم بملء الفراغ الديني في تعليمهم العام لدى المدارس الحكومية والوطنية وتسد الفراغ وتقوم بدحض الدسائس المخالفة للإسلام.
ولقد حمل مسئولية هذا المجال الثاني مجلس التعليم الديني لأترا براديش بصورة خاصة، وكان سماحة الشيخ الندوي رحمه الله رئيس هذا المجلس منذ إنشائه، وكان يقوم بأداء مسئوليته في ذلك، وكان سماحته بجنب ذلك يساعد أيضًا قادة التعليم العام من المسلمين.
والمجال الثالث للتعليم هو إنشاء مدارس وجامعات إسلامية دينية لتخريج علماء ورجال الدين الإسلامي لسد حاجة المسلمين في العلوم الإسلامية والإفتاء والوعظ والإرشاد، وقد قام علماء الدين بإنشاء المدارس والجامعات الشعبية لهذا الغرض في مختلف أنحاء الهند، وهي أدت وتؤدي دوراً فعالاً ومفيداً في صيانة الدين الإسلامي ونشره، ومنها جامعة دار العلوم ندوة العلماء أيضًا وهي تمتاز من بينها بالجمع بين القديم الصالح والجديد النافع، بينما تكتفي المدارس والجامعات الدينية الأخرى بتعليم أصول الدين والشريعة الإسلامية دون أي مقدار من العلوم الاجتماعية والأدبية، وبذلك يتخرج الطالب الديني منها بدون اطلاع واسع لعلوم الحياة وبدون معرفة لمعارف علمية عامة، فبالشعور بهذا النقص كان قد أحسن طائفة من علماء الدين المسلمين قبل قرن بحاجة إلى الجمع بين طرفي التعليم الديني والعام، وأسسوا جمعية ندوة العلماء هذه للعمل بذلك.
نادت ندوة العلماء – بناء على ذلك – بإضافة ما لا غنى عنه من العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية مع التعليم الواسع للعلوم الدينية، ومع لغة أجنبية راقية، لئلا يعجز الرجل العالم الديني من إحراز المكانه اللائقة بين المتعلمين من معاصريه، ونحمد الله تعالى على أن نداء ندوة العلماء أحرز الاستجابة، فأنشأت مدارس على غرارها من أطراف البلاد وأنجبت ندوة العلماء من مركزها طائفة من العلماء الأقوياء في العلوم الدينية والمطلعين على معارف عمومية ومنهم سماحة الشيخ الندوي، وهذه المدارس والجامعات الإسلامية الدينية، سواء منها ما هي على المنهج القديم وما هي على المنهج الجامع تقوم بأعمالها بتعاون أهل الخير مع المسلمين وهي تعجز بعض الأحيان من تحقيق كامل خططها لنقص في أوضاعها المادية، ولكنها تؤدي دوراً عظيماً في صيانة الدين في سكان هذه البلاد المسلمة، وتهيأ رجال الأمر والإرشاد والإفتاء والقيادة الدينية، ولا يمكن ذلك من الخارج لأن عدد المسلمين في هذه البلاد ضخم جداً فقد أربى على مأة وخمسين مليون نسمة، وهم رغم تعدادهم أقلية في البلاد، والبلاد علمانية، لا تهتم بحاجات الشعب الديني وخاصة المسلمين منهم بقضاء حاجاتهم الإسلامية، ولكنهم هم أنفسهم يقومون – والحمد لله – بقضاء هذه الحاجة بإمكانياتهم الخاصة، وبذلك تقع على المسلمين أنفسهم مسئولية كبيرة.
وبالإضافة إلى قضايا المسلمين التعليمية هناك قضايا أخرى هامة أيضًا وهي تدور في مدار حاجتهم الاجتماعية والوطنية، وكلها تفتقر إلى قيادات حازمة والله ناصرهم ومعينهم، كما أن هناك قضايا تنشأ من صلات أبناء الأقلية المسلمين بالأغلبية الهندوسية نظراً إلا أن فئات من الأغلبية إنما تعمل فيها عصبيات تنشأ من شعورها بالسيادة والأحقية في البلاد، وبخاصة نحن الأقلية الإسلامية التي هي أكبر أقلية في البلاد فهي تسعى لبقاء شخصيتها بقيمها ودينها، وأهم قضية من بين هذه القضايا هي المحافظة على أحوالها الشخصية، وعلى تمسكها بالشريعة الإسلامية، صيانة لها من الذوبان والانحراف لأنها في بحر من الطقوس والتعاليم المنحرفة والمشركة، ولذلك أنشأ المسلمون هيئة جامعة للحفاظ على الأحوال الشخصية الإسلامية التي كافحت لها، وكان رئيساً لها أخيراً سماحة الشيخ الندوي، وقد قام سماحتها على صعيدها بأداء دور عظيم، فهذه هي قضايا هامة للمسلمين في الهند وهم يقومون بحلها تحت قيادات حاصلة له.
وأما حاجة مسلمي الهند إلى تعاون إخوانهم في الخارج فهي حصولهم على تعاونهم معهم في مشاكلهم الإسلامية ومناصرتهم فيها بطرق أدبية وعلمية ومساعدتهم المادية كذلك ولكن ذلك بصورة لا تصطدم مع القوانين المتبعة في الدولة.
س: حتى لا يظن القارئ إننا نفكر بعقلية ” الإقليمية الضيقة ” اسمحوا لي أن أسألكم:ما هي أهم التحديات التي تواجه العالم الإسلامي بصفة عامة وكيفية مواجهتها من وجهة نظركم؟
ج: إن العالم الإسلامي في قضاياه الأساسية عالم واحد يجتمع فيه الأبيض مع الأسود والعربي مع العجمي، فلا بد أن تكون نظرته الأساسية إلى الحياة واحدة يرى بها الأخطار التي تهدد إسلامية المسلمين ووحدتهم، وطرق مواجهتها، أما قضاياه المحلية ومتطلبات بلاده السياسية الخاصة فتكون معالجتها على الصعيد المحلي وبرعاية الأوضاع الخاصة لكل منطقة، ومن أبرز قضايا العالم الإسلامي الأساسي اليوم هي مواجهته لخصومة الأمم غير الإسلامية للأمة الإسلامية، وفي هذا المجال نرى أن الأمم الغربية الكبرى كلها اجتمعت على معارضة الشخصية الإسلامية فهي تريد القضاء على الشخصية الإسلامية في كل مكان باتهامها بتهمة الأصولية والإرهاب مع أن هذه الأصولية لا حقيقة لها سوى أنها التزام ديني لأفراد الأمة الإسلامية، أما الإرهاب فليس إلا في بعض الفئات المسلمة التي مرت من خلال ظلم واضطهاد وقتل وتشريد، فثارت ضد الاعتداء والظلم كرد فعل في هذه الشعوب على أحداث الاعتداء والقتل والتشريد التي وقعت بشدة وهمجية في عدد من أقطارها، ومثالها ما وقع في شيشان وفي بوسنيا وفي جنوبي فلبائن وفي الأرتيا وفي فلسطين وغيرها، فلا يجوز بتاتاً أن يتهم الإسلام والالتزام الديني لذلك، لأن الالتزام الديني إنما يتصف بالسلام وبإسداء الخير إلى الإنسانية، فإن قضايا العالم الإسلامي الأساسية هي واحدة، وهي أن نحافظ على القيم الإسلامية ونصون خصائص الإسلام في شعوبه، وذلك يمكن بتبصير المسلمين أنفسهم بما يجب عليهم من الحفاظ عليه من القيم، وبما يجب عليهم الالتزام به من الخصائص، وتبصير مخالفين والمسيئين للظن بنا بأن الالتزام الديني في المسلمين واحتفاظهم بخصائصهم الإسلامية ليست بضارة لأحد، إنها في صالح الإنسانية وإنها في مصلحة الجميع، وإنه يجب أن نرى إلى الإسلام ونعرفه لدى المسلمين الملتزمين ممن لم يقعوا في اضطهاد وظلم وبخس حقوق وتشريد من بلادهم فلم يقعوا في رد فعل ويجب أن نكون مطلعين على الأخطار التي قد تحدق بنا من خصومنا وأعدائنا، ونهيئ نفوسنا للعمل لمصلحة الإسلام والمسلمين وتحسين وضعهم بين أظهرهم أنفسهم، وبين مواطنيهم، وأمام أعدائهم حتى يصيروا قادة لأمم وأئمة الهدي في العالم. وهذه هي الأفكار التي كان يدعو إليها سماحة شيخنا السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله، ويدل على ذلك كتابه ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ” ومجموعات مقالاته مثلاً ” إلى الإسلام من جديد ” و” حديث مع الغرب ” و” اسمعوها مني صريحة أيها العرب ” وغيرها، وكان يقول للمسلمين العرب – وهو نفسه كان يحمل الدم العربي وينتسب بالنسب العربي –: إن الأمة العربية لم تكن لائقةً بأي تقدير واحترام قبل بعثة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان العرب قبله صلى الله عليه وسلم أميين وبعيدين عن المدنية والحضارة كل بعد، ولكنهم لما رفعوا لواء الإسلام واعتصموا بالراية المحمدية بلغوا في العلم والمعرفة والمدنية والحضارة إلى أعلى المدارج، وسادوا في العالم، وما تخلفوا وهانوا فيما بعد إلا بتهاونهم في الاعتصام بتعاليم الإسلام، وفي التحلي بأخلاق أسلافهم المسلمين قدوة وأسوة لهم، وإذا فعلوا ذلك فكل الشعوب المسلمة سواء كانت بيضاء أو سوداء، شرقيةً كانت أو غربيةً، تنحاز إلى رايتهم الإسلامية، وتجتمع تحت قيادتهم، ويجب أن نفهم فهماً جيداً أن الغرب مهما بدا منه الحب والرعاية لنا لن يكون مخلصاً لنا، ولا محباً لشخصيتنا الإسلامية، فقد ثبت جلياً أنه ليس منصفاً لنا، ولا عادلاً في قضايانا. والسبب الأكبر في ذلك هو الأثر الذي تركته على أذهان أبنائه كتابات المستشرقين المعارضين للإسلام، فقد شوهوا وجه الإسلام بدعاياتهم الخادعة، فعلينا أن يقوم أهل التحقيق والأدب منا بعرض الإسلام عليهم بصورته الكريمة الحقيقية فيزيلوا بذلك إساءتهم الظن به أويقللوا سوء ظنهم بالإسلام وأهله.
س: كانت رابطة الأدب الإسلامي العاليمة بالإضافة إلى مؤسسات وهيئات عالمية أخرى ثمرة غرس مبارك لسماحة الإمام الندوي، ونأمل أن تستمر رعاية هذا الغرس حتى يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، فهل يتحقق ذلك – بمشيئة الله – على كثرة الأعباء الملقاة على كاهلكم؟
ج: لا شك أن رابطة الأدب الإسلامي العالمية كانت من أحب الهيئات العلمية الإسلامية لدى سماحة شيخنا أبي الحسن الندوي رحمه الله، وقد اعترف محبو الأدب الإسلامي بما قام به سماحته نحو العمل له، وأرى أن الغرس الذي كانت له يد طولى فيه قد نما وبدأ يقوى، فأرجو أن العاملين له سيواصلون المسيرة فيه محتذين بحذروه إن شاء الله تعالى.
س: نحن نعرف أن جامعة ندوة العلماء لها صلات طيبة بكثير من المؤسسات والهيئات الإسلامية داخل الهند وخارجها، فما هي نصيحتكم لهذه المؤسسات والهيئات حتى لا تتبعثر هذه الجهود وتضيع سدى ولا تأتي بفائدة تخدم الإسلام والمسلمين في هذا الوقت الذي تداعى فيه الأكلة على قصعتها؟
ج: أرى أن دعوة ندوة العلماء إلى الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع دعوة أثبتت جدواها في ذلك في إنتاجها الفكري وفي تخريجها للرجال، فلا بد أن نعرف جدارة رسالة الندوة، وأن نطلع الآخرين عليها ليختاروها، فإننا نجدها حاجة المسلمين التعليمية والتربوية في العصر الراهن.
س: يموج العالم الإسلامي بأصوات كثيرة تطالب بالعودة إلى الإسلام، أو ما يسمى باليقظة الإسلامية، ولكل وجهة هو موليها، فكيف يمكن ترشيد هذه اليقظة من وجهة نظركم؟
ج: إن الإسلام لا يزال هو الحل الوحيد للإنسان رغم تقدمه المادي والعلمي الراهن، ورغم منجزاته العلمية والتكنولوجة الجبارة الهائلة اليوم، فإن الخواء النفسي والفراغ الروحي متغلغل في أحشائه، والسعادة الداخلية والراحة النفسية لا يزال كل ذلك بعيداً منه، ولا يملأ هذا الفراغ ولا يملأ قلب الإنسان بالسعاة المنشودة إلا الإسلام، ولكن مسئولية العمل له مسئولية تتطلب من أصحابها اختيار المنهج الحكيم للدعوة وحسن الخلق والعمل الدؤوب في مجال الدعوة مع احترام العاملين الآخرين.
س: أصبح الإعلام اليوم من أخطر الأسلحة التي لا يمكن تجاهلها، فما هو المطلوب من الإعلام الإسلامي ليؤدي دوره لخدمة الدعوة الإسلامية ونشرها بين المسلمين؟
ج: التربية والإعلام هما الوسيلتان العظيمتان اللتان بلغ الغرب بهما إلى السيادة العالمية، ثم إنه يزين بهما ما يريد تزيينه في أنظار العالم، ويهجن أو يبغض ما يريد ما يريد تهجينه أو تبغيضه في أنظار العالم، فلا بد أن يقبل المسلمون هذا التحدي ويواجهوا الخطر منه، ويعدوا ما يستطيعون إعداده في هذا السبيل، وهم مأمورون بتسليح أنفسهم بأسلحة أعدائهم، فعليهم أن يؤسسوا مدارس وجامعات على منهجهم الإسلامي الحكيم، وهو الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع، ويقوموا بإعلام جدير بمقتضيات عصرهم الراهن، وذلك يمكن بتعاون الأغنياء منهم مع أهل الخبرات والاختصاصات التربوية والإعلامية منهم.
س: قضية الأقليات الإسلامية في المجتمعات غير الإسلامية تعتبر من أخطر القضايا في الوقت الحاضر، فما هو الواجب على هذه الأقليات حتى تفرض احترامها على من حولها، وما هو واجب الدول التي تعيش فيها نحوها؟
ج: على الأقليات الإسلامية أن تقوم أولاً بتبصير أعضاء الأغلبيات التي يواجهونها بالمعاني الإنسانية السامية التي يحملها الإسلام للبشرية جمعاء مع التحلي بها في حياة أفرادها، وأن يكونوا خير الجيران لجيرانهم من أبناء الأغلبيات، والناصحين المخلصين لهم على الصعيد الإنساني حتى يأنسوا بهم، ويعرفوا الخير الذي يحمله الإسلام، فهم إذاً سيميلون إلى الإسلام أو يحسن ظنهم به، وكل ذلك يكون في مصلحة هذه الأقليات وفي صالح الأغلبيات كذلك.