استعراض لكتاب “في ظلال السيرة” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

دراسة “قيمة الأمة الإسلامية ومنجزاتها” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023
دراسة كتاب “القرآن الكريم كتاب هداية للإنسانية” للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023

استعراض لكتاب “في ظلال السيرة” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

فضيل أحمد

هذا الكتاب “في ظلال السيرة” مجموعة مقالات وبحوث عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها ألف ألف تحية وسلام كتبها الشيخ محمد الرابع الحسنى الندوي رحمه الله تعالى بمناسبة ربيع الأول من كل عام في صحيفة الرائد، ثم جمعها ورتبها وراجعها الأستاذ محمد وثيق الندوي لتعم الفائدة.

تناول المؤلف في هذه المقالات الجوانب الخلقية لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبقى عادة مغلوبا عليها التركيز على جوانب القيادة والغزوات، ولا شك أن مثل هذه المجموعات لها أهمية وهي جزء هام من السيرة ولكن الجوانب الإنسانية والأخلاقية والسلوك والرأفة والعفو والصفح والشعور الإنساني ومواقف الحلم والأناة والصبر تحتاج أيضا إلى اهتمام الدارسين.

أما موضوعات الكتاب فيجد فيها القارئ تنوعا ولكن يجد وحدة في التنوع، أما أسلوبه فهو أسلوب عصري صحفي سهل يقع من نفس القارئ مهما كان مستواه موقعا حسنا ومفيدا.

الكتاب منقسم إلى قسمين، القسم الأول يشمل على الكلمات التي كتبها بمناسبة ربيع الأول من كل عام في صحيفة الرائد والقسم الثاني مجموعة من البحوث التي قدمت في الندوات العلمية، عرضها في أسلوب علمي ولكن هذا الأسلوب ليس بخالٍ من مشاعر الحب والوفاء لذات رسول الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – بالإضافة إلى القيمة الأدبية.

‏السيرة النبوية الشريفة هي معدن الفضيلة ومنبع الخير فإن القارئ يجد فيها الهداية والقدوة خلال دراسة حياته صلى الله عليه وسلم ويحصل على توجيه رشيد عن مختلف جوانب الحياة كما تقربه دراسته إلى فهم الإسلام الصحيح وتعاليمه، فقد قال الله تبارك وتعالى”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” فإنه صلى الله عليه وسلم أسوة للعالمين وقدوة لهم في العقيدة والعبادة والأخلاق بالإضافة إلى ذلك السيرة النبوية تعد ميزانا توزن في ضوئه الأعمال كما يجد النهج الصحيح للدعوة إلى الله عز وجل.

‏كما قدمنا أن الكتاب منقسم إلى قسمين، أما القسم الأول فهو يحتوي على أربعة عشر موضوعا، بعض منها عن ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض منها يعريض أسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض منها يذهب بنا إلى ذكريات مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم والوضع الذی بعث فيه، بعض منها أورد نماذج من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لمحة من الموضوعات التي تناول ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“‏من سنة الله الجارية في هذا الكون انه لم يزل يبعث في كل زمان ومكان أنبياء ورسلا وقد بدأت هذه السلسلة الذهبية من أبي البشر سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وانتهت إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الأنبياء والمرسلين، جاء أخيرا ولكن كان واسطة العقد بين الأنبياء كان أحسن من غيره جميعا خلقا وخلقا وأفضل منهم صلاحية وكمالا ظاهرا وباطنا وأكمل وأوسع في مكارم الأخلاق، طبعت نفسه على الصبر والعزيمة بصورة خاصة، كان قبل بعثته يخرج إلى خارج العمران في الخلوة لطلب حقيقة سامية وراء الحقائق المادية وعندئذ بدأت تظهر إشارات لطيفة أنه سيكون نبيا من الأنبياء ثم أتاه جبرائيل عليه السلام وألقيت على كاهله مسؤولية الرسالة الربانية‏، فقد هيأه الله تعالى منذ نعومة أظفاره لهذا الثقل العظيم، ولد يتيما من الأب، ثم أصبح يسيرا من الأم وتوفي جده العطوف المشفق حينما بلغ ثماني سنوات من عمره ولكنه كان في رعاية الله تعالى وعطفه وكنفه، ثم حظي بعطف عمه ورعايته إلى أن بلغ أشده، وكان يساعده عندما تقسو عليه الأحوال في طريق مواجهة المعاندين، ثم إيذاء قريش له وللمسلمين حتى ذات مرة قال أحد صحابته رسول الله طفحت كأس صبرنا واحتملنا بالأذى فوق طاقتنا فادعو الله لنا أن يخفف عنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:مللتم وسئمتم، وقد أتى على من قبلكم من الأحوال ما تقشعر به القلوب، فإن أبدانهم شقت بمشط الحديد فصبروا، فاصبروا واطمئنوا، فقد يأتي عليكم زمان تغلبون فيه، ثم نصر الله رسوله بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما ثم قصة الطائف التي يظهر فيها رحمته ورأفته لأمته في قوله لما أرسل الله إليه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق الأخشبين: “أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا” ولم يدع عليهم رغم ما نال منهم من أذى شديد ثم ‏بعد ذلك كيف حصلت لرسول الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – القوّة.

ويقول في مقال وهو يتحدث عن “الأسوة الحسنة”:

‏لقد بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم معلما للإنسانية ومربيا لها هاديا إلى ما فيه سعادة الإنسان وفلاحه في الدنيا والاخرة، اتسم منذ صغره عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بسمات الخير والخلق النبيل، كان مطبوعا على حسن الخلق والفضل، وعلى طلب الخير للجميع والسعي لبناء مجتمع إنساني داعيا إلى خصائل الخير من صدق القول، وحسن العمل والأمانة، وأصبح موضع الثقة لديهم إذا افتقروا إلى من يحكم بينهم في أمر فيه اختلاف شديد، كان فبل بعثته أصبح يدعى الصادق الأمين، بلغ – عليه الصلاة والتسليم – في صفاته الطيبة وأخلاقه الحسنة إلى الذروة التي قصر عنها الناس قاطبة، ومن هذه الصفات: الرحمة والمودة لجميع الناس مع الإبقاء على التوحيد الخالص لله، وكان يدعو الناس إلى الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، يعامل أصحابه معاملة الإخوان رغم انه كان رسولا مطاعا يتكلم معهم كصديق مع صديقه، وبالجملة تحمل السيرة في طيها أمثلة نادرة والنماذج الفريدة للإنسانية. فأسوته أسوة حسنة كاملة خالدة للإنسانية جمعاء.

ويقول وهو يكتب عن “مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

“إن شهر ربيع الأول يأتي بذكريات مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو منبع النور العظيم والهداية الربانية، هذا الشهر ربيع الزمن لكل عام، انه شهر تلقى فيه الإنسان أعظم درس لصلاح حياته، فقد ولد فيه الأمن والإيمان بمولد الرسول الأفخم، هذا الشهر يحمل في طيه رسالة تذكير يسمع صوته قلب المسلم،

فقد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغت الإنسانية إلى الحد البعيد من الضلال والإنحراف واستحقت مقت الله بصورة شاملة، إلا بقايا من أهل الكتاب”.

فإن هذه المجموعة جديرة بالدراسة والاستفادة وخاصة على الدعاة والعاملين في مجال العمل الإسلامي أن يستفيدوا منه لكي يطلعوا على الأسوة المحمدية والمنهج النبوي للدعوة والتربية والإصلاح والإرشاد.

×