كتاب مهم في جغرافية جزيرة العرب

بكاء القلم على وفاة شيخنا محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله
10 سبتمبر, 2023
قراءة في تقديم الشيخ محمد الرابع الندوي لكتاب “رسائل الأعلام”
10 سبتمبر, 2023

كتاب مهم في جغرافية جزيرة العرب

كتبه / د.أبو سحبان روح القدس الندوي

أنشئت في سنة 1311هـ في الهند حركة “ندوة العلماء” التعليمية والإصلاحية.

ومن أهدافها المنشودة: إصلاح نظام التعليم، وتطوير المنهج الدراسي، وإعداد مقرر دراسي.

عُنيت “دارالعلوم” التابعة لندوة العلماء بدراسة اللغة العربية كلغة حية نامية خالدة كتابةً، وتحدثاً، وتعبيراً، وأدباً ونقداً، وصحافة، واهتم بها مسؤولو دارالعلوم عبر العصور، حتى أعدّ أساتذتها النبغاء طائفة صالحة من المقررات الدراسية، التي نالت قبولاً ورواجاً بالغين في الأوساط التعليمية في أرجاء شبه القارة الهندية، وقُرِّرإنتاجها الأدبي والنقدي في المنهج الدراسي للجامعات العصرية والمؤسسات الدينية قاطبة، فشمّر عن ساق الجد الأديب العلامة “أبو الحسن علي الندوي” (ت1999م)، وألّف الكتب التالية:

قصص النبيين للأطفال (1–5)

والقراءة الراشدة (1–3)

ومختارات من أدب العرب (1–2)

والطريق إلى المدينة

وإلى الإسلام من جديد

وإذا هبت ريح الإيمان

ورجال الفكر والدعوة (1–3)

وأتحف المكتبات العلمية العالمية بآثاره القيّمة، نشأ وتخرج عليها أبناء العالم العربي والإسلامي، لاسيِّما مؤلَّفه الشهير “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”، و”الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية”، ولعبت مؤلّفاته دوراً ريادياًّ في إقناع الشباب بصلاحية هذا الدين كل عصر ومصر، وإنقاذهم من الأفكار المستوردة الزائغة الزائفة.

وأسهم في هذا المضمار زملاؤه الفضلاء وتلامذته النبلاء:

فألّف الشيخ محبوب الرحمن الأزهري (ت 2010م): دروس الأشياء والمحاورة العربية (للناشئين)

وألف الأستاذ عبد الماجد الندوي (ت 1985م): معلم الإنشاء (1–2)

وألف الأستاذ محمد مصطفى الندوي (ت 1959م): تمرين النحو

وألف الأستاذ محمد معين الندوي (ت 1999م): تمرين الصرف

وألف الأستاذ شفيق الرحمن الندوي (ت 2002م): الفقه الميسّر.

وألف الدكتور عبد الله عباس الندوي (ت 2006م) تفهيم المنطق بالأردية.

وألف الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي (ت 2019م): تاريخ الأدب العربي (العصر الجاهلي)، ومصادر الأدب العربي، وأدب الصحوة الإسلامية، وتاريخ الثقافة الإسلامية، وأعلام الأدب العربي في العصر الحديث، وله: الغزو الفكري أيضاً.

وألف الدكتورالأستاذ سعيد الأعظمي الندوي: علم التصريف، وشعراء الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء الواقع والقريض، والصحافة العربية: نشأتها وتطورها وساعة مع العارفين.

ومن ثم أصدرت ندوة العلماء في مختلف عهدها مجلتين عربيتين وصحيفة عربية، لتأهيل أبنائها كتابةً بالعربية الفصحى، وإخراج جماعة تتمكن من إبداء وجهات نظرهم بالعربية السلسة، وفعلاً قد نشأت ثلّة من الكتّاب بالعربية حتى العصر الراهن، فأنشأ من أبنائها الأفذاذ أديب العربية مسعود الندوي (ت1954م) مجلة “الضياء”، وأنشأ من أسرة هذه الدار العلمية الأديب الملهم محمد الحسني (ت1979م) مجلة “البعث الإسلامي” الغراء، يستمر إصدارها حتى الآن برئاسة تحرير الأستاذ سعيد الأعظمي، كما أنشأ الأستاذ محمد الرابع الندوي صحيفة “الرائد” النصف شهرية، ولا تزال تصدر.

هذا، ونبغ فيهم الأديب الألمعي، المبرِّز في العربية أدباً ونقداً، المغرم بالجزيرة العربية ثقافةً وتاريخاً وجغرافيةً، ومعالم وخِطَطاً، ودولةً وشعباً “محمد الرابع الحسني الندوي”(1929–2023م) الذي كان رئيس ندوة العلماء وترجمان فكرتها وحامل لوائها، ورائد الحركة الأدبية الإسلامية العالمية، وأحد العلماء الأعلام في الهند، ورئيس المجمع الإسلامي العلمي، ورئيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند، وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.

لا جرم أن له إسهاماً كبيراً في تطوير سلسلة تعليمية لإعداد مقرر دراسي، بدأبها أسلافه وزملاؤه وتلامذتهبين الحين والحين، فألف سماحته رحمه الله:

منثورات من أدب العرب

ومعلم الإنشاء (الجزء الثالث)

وتاريخ الأدب العربي (العصر الإسلامي)

والأدب العربي بين عرض ونقد

أما كتابه “جغرافية جزيرة العرب” فهو سلسلة من المقررات الدراسية، التي ألمَّ بها مسؤولو ندوة العلماء الأفاضل، وقد شعروا بوضع كتاب ماتع في جزيرة العرب تاريخها وثقافتها وجغرافيتها، وكلّفوا الأستاذ محمد الرابع بتأليف كتاب في ذلك. “فإن جزيرة العرب لها أهمية تاريخية، لموقعها الخاص، لأنها تقع في وسط العالم، ولموقعها الجغرافي حيث تحيط بها مناطق ذات الأهمية التاريخية والسياسية، ولها أهمية دينية لوقوع أول بيت وضع للناس فيها”(1).

“فالذي يدرس الأدب العربي شعره ونثره في أشد حاجة إلى معرفة طبيعة تلك البلاد المتنوعة، وبدون الاستفادة من هذه المعرفة يصعب عليه فهم النصوص، كذلك دارس السيرة النبوية، وتاريخ العهد الأول من الإسلام، الذي يشمل ذكر الأماكن وظروف الحياة وطبائع القبائل، يجد في هذا الكتاب بغيته”(2).

وقد توفّر المؤلف على جمع المعلومات من مصادر قديمة وحديثة في لغات شتى، وكان المشوار كثير العثار، ولكن بفضل الله سلك الجدد أمن العثار، وعاش المؤلف هذا العمل المضني سنواتٍ، وبذل فيه جهداً جباراً، وقد صدرت طبعته الأولى بالأردية في عام 1962م، ثم تتابع الطبع تلو الطبع، وقُرِّر تدريسه في المقرر الدراسي بدار العلوم التابعة لندوة العلماء، وفي المدارس التابعة لها في ربوع الهند، وإني قرأت هذا الكتاب على المؤلف من خلال خريطة العالم العربي سنة 1971م.

صدرت حديثاً الطبعة الأنيقية المعرَّبة في ثوب قشيب باسم “جزيرة العرب: تاريخياً، ثقافياً، وجغرافياً”، اعتنى به د. محمد فرمان الندوي(3) ونقله إلى العربية ووزّع الكتاب إلى خمسة عشر باباً مع خرائط ملوّنه وتناول توسعة الحرمين الشريفين عبر التاريخ على الهامش، وذكر أطراف الآيات والأحاديث والأبيات وثبت المراجع والمصادر.

وهاك موجز فهرس الكتاب فيما يلي:

الباب الأول: يحتوي على جزيرة العرب، ساحتها وعمرانها وطبيعتها.

أما الباب الثاني: فيشتمل على جبال جزيرة العرب الساحلية، وميادينها، ثم أمكنة تهامة ومدنها الشهيرة.

أما الباب الثالث: فيلقي ضوءاً كاشفاً على وسط جزيرة العرب (من الربع الخالي، والنفوذ الكبرى، والدهناء، وبادية الشام، ونجد) وسواحل المنطقة الشرقية (قطر والأحساء والبحرين والكويت).

أما الباب الرابع: فمحتوٍ على فصول جزيرة العرب وأمطارها.

أما الباب الخامس: فيتحدث عن أودية جزيرة العرب ونباتاتها.

أما الباب السادس: فيفيد حيوانات جزيرة العرب ورياحها.

أما الباب السابع: فيطل على أمم جزيرة العرب وقبائلها، فبدأ بالعصر الأول إلى ولادة سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام واختتم العصرين الثاني والثالث بذكر أمم جزيرة العرب وقبائلها.

أما الباب الثامن: فيتضمن حضارة جزيرة العرب ومدنيتها، وانتهى هذا الباب إلى ذكر ديانات العرب والحياة الاقتصادية فيها.

أما الباب التاسع: فهو من أبرز أبواب الكتاب وأشمله.

أما الباب العاشر: فهو يشتمل على أغذية جزيرة العرب وموازينها.

والباب الحادي عشر: يتناول حكومات جزيرة العرب.

والباب الثاني عشر: يختص بمكة المكرمة ومعالمها وجبالها.

والباب الثالث عشر: يحتفل بذكر المدينة المنورة ومعالمها وآبارها وآثار المدينة التاريخية وضواحيها.

والباب الرابع عشر: يزوّد بالأمكنة الواردة في السيرة النبوية.

والباب الخامس عشر: خاص بذكر شوارع بين مكة والمدينة وأهم مواضعها، ثم اعتنى هذا الباب بمواضع خاصة في طريق بدر، ومواضع دينية أو تاريخية أخرى.

والكتاب قام بنشره المجمع الإسلامي العلمي، بلكناؤ، الهند، في ربيع الأول 1439هـ الموافق ديسمبر 2017م وعدد صفحاته 216.

مما يؤخذ على الطبعتين الأردية والعربية:

إن محتوى الكتاب يفيد طلبة العلم الجانب الثقافي والتاريخي أكثر من الجانب الجغرافي وإن عُدِّل تسمية الكتاب من “جغرافية جزيرة العرب” بالأردية إلى “جزيرة العرب: تاريخياً ثقافياً وجغرافياً” بالعربية، وإني لا أدري ما الذي حفز المترجم الفاضل إلى تغيير اسم الكتاب ولماذا رضي المؤلف العلاّم بذلك؟ أما موضوع جغرافية بلد ما فإنه يتجدد ويتغير في عشية أو ضحاها، فالكتاب من مطبوعات 1962م، وقد تغيرت أوضاع جزيرة العرب إلى حد كبير، فالكتاب برمته لا سيما العصر الراهن منه يحتاج إلى تعديل سريع، فإن علم الجغرافيا لم ينضج ولم يحترق بعدُ وليس من الثوابت.

الكتاب أُلِّف عام 1962م واستفاد المؤلف ماشاء أن يستفيد مما أصدرته المطابع حتى 1962م، وفي الطبعة الحديثة المترجمة إلى العربية ذكر المترجم قائمة طويلة لمصادر ومراجع ظهرت فيما بعد وفي العصر الراهن، فكيف ذكر مصادر معاصرة لم يرجع إليها المؤلف حين ظهور الكتاب إلى عالم النور؟!! لا جرم إن هذا الأمر ينافي المنهجية والأمانة العلميتين.

ينقص الكتاب ذكرُ مدخل حافل إلى جغرافية جزيرة العرب والجغرافيّين العرب عبر التاريخ، وقد فات المترجم تخريج بعض الأحاديث، والحكم على أحاديث لم يخرجها الشيخان (البخاري ومسلم)

وعدمُ الاعتناء بتخريج الشواهد من الأبيات الواردة في الكتاب البتة.

أما تشحيين الكتاب بمقدمات وتقاريظ قديمة وحديثة فلا يزيد قيمة الكتاب ورونقه، وإنما كانت الضرورة ماسة جداً إلى مراجعة دقيقة من قِبَل أحد المعنيّين بجغرافية جزيرة العرب قديماً وحديثاً، وكفى.

الهوامش:

(1) منتزع من كلمة الناشر، ص: 3.

(2) المصدر نفسه.

(3) عضو هيئة التدريس بدار العلوم لندوة العلماء، لكناؤ.

×