بكاء القلم على وفاة شيخنا محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله

يا عين فابكي ولا تسأمي!
10 سبتمبر, 2023
كتاب مهم في جغرافية جزيرة العرب
10 سبتمبر, 2023

بكاء القلم على وفاة شيخنا محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله

يحيى نديم الندوي

تطلع الشمس كل يوم من مشرقها وتنفض بيدها غبارالظلام عن وجه الأرض، وتمسح جبين الطبيعة المكتئبة بريشة أشعتها الياقوتية الحمراء، وتبشر بصباح منير تسر به جميع الكائنات، وتتفتح في الحديقةالغناء ألوان مختلفة من الأزهار، فكأنها ترحب بالصباح بابتساماتها الحلوة الخلابة، وتتغرد الطيور علي الأشجار فكأنها تتلقاه بتغريداتها الترحيبية العذبة الجذابة في مختلف الألحان، ويجري النسيم المترقرق يحمل من الزهور رائحها الطيبة، فيتأرج بها الفضاء، فالطبيعة كل يوم تتزين وتتحلي بجمال هذه المناظر الخلابة لترحب بالصباح، فيقبل الصباح بوجه مشرق وضاء كل يوم، ولكن شمس اليوم قد طلعت وكأنها تحمل معها أثقال الحزن والألم، فكانت طبيعة اليوم مكتئبة أشدالاكتئاب، كانها حزين أشد الحزن لفراق أستاذنا ومرشدنا السيد محمد الرابع الحسنى الندوي الذي كان شمسًا وهاجا للعلم والحكمة طالما كانت تنير سماء الهند وآفاق العرب والعجم.

ولما صليت الظهر في 22 من شهر رمضان المبارك أول ما قرع مسامع الناس إنما هو نعيه المدهش المبكي، وانتشر الخبر في أنحاء العالم وأرجائه بأسرع من التيار الكهربائي في سلكه، كأن الدنيا قد أظلمت وضاقت الأرض بما رحبت وخيم الحزن واليأس على أبناء ندوة العلماء.

أدبرالنهار، واحتجبت الشمس وراء خدرها وجعل الليل ينشر أجنحته السوداء علي الدنيا شيئا فشيئا، وأخذ الناس ينصرفون إلي بيوتهم ينفضون أيديهم من تراب قبر أستاذنا الحبيب المشفق، وأما أنا فجعلتُ أتململ من شدة الحزن والكآبة، وكان الآلام تنهش قلبي نهشا وتلذعه لذعا وتعبث به عبثا، وكيف لا أتألم؟ ولاأرسل الدموع ؟ ولا أبكي؟ وقد كنت شديد الغرام به؛ وبجميع كتبه؛ وبكل مقالاته؛ حتي لم تكن تقع في يدي صحيفة ” الرائد” الا وقد قرأت منها أولا مقالاته وألتهم ما فيها التهاما.

ولما مضي شطر من الليل تقريبا هممت بالنوم، فأسلمت جسمي إلي الفراش، ولكن النوم قد أبى علي أشد الإباء، وابتعد عني إلي أقصي المدي، أو كأنه نسي الطريق إلي جفني فلم أستطع النوم. فنهضت جالسا وأخذت مذكرتي وعلقت قلمي بين أصابعي لأفضي إليها بما ألم بقلبي من الهموم والشجون، فما إن كتبت سطرة أو سطرتين أن وقف القلم وقفا، فحركته بعض مرة ولكن مع ذلك لم تسل منه نقطة من المداد، وهنا اتخذ حزني شدتَه واحتراقُ قلبي عنفتَه، وأخذني أيضا شيء من الغضب فاردت إلقاءه في سلة المهملات، ولم أكد ألقيه فيها حتي خيل إلي أنه يقول لي في صوت حزين ثقيل: ترفق يا صديقي! ولا تلقني….لأن مدادي لم ينفد وإنما قدجمد في صدري لاحتراق قلبي من شدةالآلام وحدتها، مالي يا أخي اراك تتعجب وتدهش؟ لعلك تتفكر في نفسك أن القلم كيف يحزن ويتألم؟ وهو جامد لا حراك به ولا حياة! نعم يا أخي أنا جامد ليست بي الحياة ولا حراك كما تظنون، ولكن بي حياة لا تشعرون بها، وأنا أيضا أتألم وأحزن كما أنتم تحزنون وتتألمون، إلا أنكم تستطيعون أن تعبروا عن غمكم وهمكم، وأنا لا أقدر علي ذلك. دع هذا، لي معك اليوم شأن آخر، أريد أن أبوح لك بما ينطوي عليه قلبي من الحزن والآلام. هناك أصغيتُ الي حديثه إذا به يقول: انا قلم نحيف الجسم، ضئيل الهيئة، قصير القامة، وميسور المنال. ولكن الله مع ذلك لقد أكرمني وأعلي شأني، ورفع مكاني. وأني أول مخلوق خلقه الله تعالي، وأول من تشرف بامتثال أمر الله تعالي إنما هو القلم، كما قرأتم في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فقال: يا رب، وما أكتب؟ فقال: اكتب القدر، فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد”.

والقلم إنما هو أداة للعلم، وبه كتب القران والحديث، والكتب السماوية، وبه تحفظ العلوم والتاريخ، لولاه لذهبت العلوم وتواريخ الأمم في غياهب النسيان. وقد أخلدني الله بالذكر في القرآن الكريم، كما أنه ذكرني في أول وحي وفي أول سورة نزل بها الروح الأمين إلي رحمة للعالمين، وخاصة أنه جل وعز أنزل سورة مستقلة باسم ” سورة القلم”، وقد أقسم فيها باسمي بيانا لعظمتي وخطورةالعلم.

أخي! ليس غرضي من هذ كله أي فخر أو تكبر، وإنما الغرض من ذلك أن أبين لكم مكانة العلم وخطورته وعظمة القلم واهتمامه في الاستخدام، لأنه من أسف موجع أشدالإيجاع أن أتباع الإسلام قلما يستخدمونني بالنسبة إلي أتباع ديانات أخري، بل هم متخلفون جدا عن ميدان الكتابة لسبب تكاسلهم وتغافلهم، فانتهز الكتاب المغرضون وأعداء الإسلام هذه الفرصة السانحة كل الانتهاز، فيسيئون استخدام القلم كل الإساءة، فينشرون به الشر والفساد، ويثيرون به الحروب والفتن، ويذيعون به الفحشاء والمجون، ويشوهون وجه الإسلام، ولم يقف الأمر عند هذ الحد فقط، بل هم ينالون عظمة الله وشأنه وشأن نبيه الحبيب كلّ‌َ منال إساءةً واستهزاءًا، وقدكتبوا تحت اسم الإسلام كُتبا كثيرة مدسوسة بالسموم القاتلة للإ يمان واليقين، ومدمرة للأخلاق، ومشحونةً بافكارهم الفاسدة؛ وثقافاتهم المسمومة؛ وحضاراتهم المشؤومة ويكتبون ايضا بالاستمرار.

ومن المحقق يا أخي أنا أحب الإسلام، وأحب أتباعه، وأحب حبا جما من حملني فيستخدمني في الدفاع عن الإسلام. واني أكره أشد الكراهة أعداءَ الإسلام. فحينما يتناولونني للاستخدام يأخذني الغيظ الشديد، وخاصة اذا يسيئون إلي شأن الله ورسوله لا أستطيع الصبر، فحينئذ أود لو ان الله أعطاني قوة لانتقمتُ منهم انتقاما، او استطيع التحولَ إلي قنبلة مدمرة أو بركانِ هائل لانفجرتُ بهم أشد الانفجار، لكي لا يجترؤوا علي الإعادة والتكرار مثلَ هذه الأعمال الشنيعة البشعة القبيحة. ولكن يا أخي كيف استطيع ذلك ؟ لأني……فلم يبق علي إلا البكاء وإرسال الدموع، وتصاعد الزفرة فالزفرات. لا ادري كيف تتخذون موقف السكوت؟ وتلزمون الصمت التزام العلقة جلدالانسان؟ والكفار يعبثون بدينكم ويحاولون محوه عن وجه الأرض، وهذا كله يجري في مشهدكم.ومن المحقق أنه لولا هذ الدين دينا سماويا حقا، ولولا أن وعدالله بالحفاظ عليه، لَما بقي في وجه الأ رض سالما خالدا.

لأني رأيت الإسلام منذ أول يومه لم يزل هدفا لمؤمرات خطيرة سيئة للكفار والمنافقين، وهجمات عنيفة قاسية لم تتعرض لها ديانات اخري، وقد حاولت القوي الباطلة إطفاء نوره غير مرات، حتي لم تترك حيلة ولا وسيلة الا اختارتها في سبيل ذلك، فكم مرة قد خاضت معركة هائلة دامية ضد المسلمين! وكم مرة وقعت علي الإسلام كعاصفة عاتية هوجاء! لتقتلع جذوره بأكمله، ولكن الإسلام لم يزلزل ولم يخضع لها شيئا، بل إنما استطاع البقاء رغم كل ذلك ” يُرِيْدُوْنَ لِيُطفِؤُوا نُورَاللّهِ وَاللّهُ مُتِمُّ نُوْرِه وَلَوْ كَرِهَ الْكَاْفِرُوْن”. ولما اندلعت الحروب الصليبية، وشن الصليبيون الحرب النهائية عازمين علي أن يقضوا عليه قضاء لا نهوض له بعده، احتفظ الله بدينه بوسيلة صلاح الدين الأيوبي. ولما تجرعوا مرارة الانهزام في هذه الحرب ظهروا علي أن الإسلام دين لا يمكن محو آثاره عن وجه الأرض بقوة السلاح، فتدبروا مصدر انتصارالمسلمين، وسر فشل نفسهم وانهزامهم، وتفكروا وأمعنوا في التفكير في حيلة يستطيعون الوصول بهاالي أغراضهم الشنيعة، اخيرا إهتدوا الي حيلة ناجحة لا تُكلِّفهم استخدامَ السلاح ولا ضياع حياة الجنود وهو ” الغزو الفكري” فمنذ ذلك اليوم تركوا القتال وجها لوجه وقاموا بسلب إيمان المسلمين وإفساد عقائدهم وتدمير أخلا قهم وإثارة شهواتهم وزعزغة ثقتهم بالله ورسوله، بالغزو الفكري، ومن هنا واجه الإسلام غزوا جديدا خطيرا أشد خطر من غزات أخري. لأن المسلمين لم يغلب عليهم بقوة السلاح، وإنما يمكن ذلك بكسر قوتهم الإيمانية، فإنهم ثبتوا بها في ساحة القتال ثبات الجبال الراسيات. وكان السلطان صلاح الدين الايوبي يقول ” لو تريد ان تهلك قوما بدون استخدام السلاح فدمر أخلاقهم وقم بإثارة شهواتهم” فاليهود والنصار يركزون كل جهودهم علي ميدان الغزو الفكري. ولا غرب أن الغزو الفكري أشد خطرا، وأعمق أثرا، وأكثر بقاء من الغزو السلاحي، لأن باستخدام الأسلحة يمكن للغازي الاستيلاء علي الأراضي، وعلي شعب من الشعوب، ولكن هذ الاستيلاء لا يدوم ولا يطول مدة طويلة، لأن من طبائع الإنسان أنه لن يقتنع بان أحدا يستعبده فيسيطير عليه، فلذلك اذا اتيحت له الفرصة يُحدث انقلابات هائلة اضطر المحتلون الي اختيار سبيل الهرب. كما فرالانكليزيون من ارض الهند. وقال الشيخ واضح رشيد الندوي ” في الغزوالعسكري يستخدم الجيش والسلاح، للاستيلاء علي الاراضي، وعلي سكان الأراضي، وفي الغزوالفكري يستدهف الغازي الاستيلاء علي الاذهان، وتفكير سكان بلد من البلدان. الغزوالعسكري ينتهي بجلاء القوات الغازية. الغزوالفكري يبقي، سواء بقيت القوات الغازيت أم رحلت، فاذا تم غزو الفكري لشعب من الشعوب فان هذ الشعب يبقي مواليا ومتبعا مقلدا للغازي وان انحسر ظله فهو يحكمه ويسيطر عليه من وراءالبحار، ومن وراء الستار. (الغزوالفكري 30)

في القرن الثامن عشر المسيحي كان هجوم المستشرقين علي الإسلام شديدا عنيفا كاد كيان الإسلام يزلزل وويتزحزح لولا أن هيأ الله العلامة شبلي النعماني، والسيد سليمان الندوى، والشيخ والعلامة السيد أبا الحسن علي الندوي، ومحمد الحسني رحمهم الله لمقاومتهم. وقد كانوا في ميدان الكتابة بارعين ممتازين، وفي ساحة الغزو الفكري مجاهدين باسلين. فقد كان الكتاب المبطلون يخافون من قلمهم اشدالخوف، فلم يكادوا يجترؤون في مدة حياتهم علي أن يستغلو القلم ضد الإسلام. فكم كنت اشعر بالغبطة والسعادة حينما كانوا يستخدمونني، وكم كنت افرح اشدالفرح حينما يردون عليهم ردا عنيفا لاذعا، ولكن سعادتي لم تدم ولم تطل حتي ارتحلوا من هذه الدنيا الفانية الي جوار ربهم واحدا بعد واحد من غير رجعة، فتعاقب علي الحزن والآلام، وكاد الياس يرسل عليَّ سدوله المشؤومة السوداء. غير اني ما قطعت الأمل ولم استسلم لليأس، ولم أقنط من رحمة الله انما توكلت علي الله كل التوكل، لأنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون.

وهناك أدركتني رحمةالله، فهيأالله جل شأنه لهذا الميدان بطلين باسلين، السيد الرابع الحسنى الندوي والسيد واضح رشيد الحسني النوي، وقد شفي بهما قلبي المكلوم، وكنت احبهما واخلص لهما الحب، واتودد كل لحظة ان اكون في جيبهما دوما فيستخدمانني، وحينما كانا يأخذانني ويعلقانني بين أصابعهما للكتابة أطير فرحا مرحا، وأشعر بسعادة لا تعلدلها سعادة أخرى، وأتمتع بسرور وغبطة لا يعدلها سرور وغبطة اخري،

وكانت الأيام تمر بي وقد كنت في الفرح والسرور والسعادة للغاية بصحبة هذين الشقيقين ولكن سعادتي لم تدم حتى فقدتُ احدا من هذين البطلين، آه! فقدت السيد واضح رشيد الندوي في 16 من فبرائر عام 2019 للميلاد، يا له من حزن شديد! ويا له من بلاء كبير للأمة المسلمة، أظلمت الدنيا، وخيَّم اليأس والحزن العميق على ابناء الندوة، فبموت هذا العالم الرباني والداعية المصلح الكبير تضيق الأرض على أهلها بما رحُبتْ.

وكان الفقيد السيد واضح رشيد الحسني الندوي عاليَ الهمة، جرئَ القلب، ثاقب النظر، سليم الفكر، متبحر العلم، متواضع النفس، صافي الفؤاد، ليِّنا الطبيعة، زاهدا كل الزهد في الدنيا، وراغبا شديدالرغبة عن اكتساب السمعة والشهرة والمدح، وبعيدا كل البعد عن الغيبة وفارغ الكلام، وحريصا اشد الحرص علي المطالعة وتلاوة القران، وضانٍّ اكبر الضن بإنفاق الأوقات فيما لا يعنيه،

وكان قلمه سيالا، وأسلوبه رائعا متينا، وكتاباته مدعمة بالدلائل الراجحة القاطعة، وله دور بارز في مجال الصحافة والأدب والبحث والتحقيق والغزو الفكري والكشف عن قناع المستشرقين والجماعات الضالة المضلة في انحاء العالم كبير، وله مؤلفات كثيرة في هذا الموضوع، وكان لا يبالي في كشف القناع عن وجه المستشرقين، ولا يمسه الخوف أوالرعب في رفع الغطاء عن مكائد أعداء الدين، فيضمون اسمه الي القائمة السوداء، وجعلوا يدبرون له شتي المؤامرات الخطيرة، ولكنه مع ذلك لم يخف ولم يستكن ولم يتحرك شبرا عما هو عليه من الحق، وإنما ثبت في هذالتيار الجارف ثبات الجبال الراسيات. فكان النصر حليفه في كل مجال من مجالات التي قد خاضها.

من الحقيقة المرة أن السعادة لن ترضى بأن يتذوقها أحد مدة طوال، فالسعادة اشبه شيء بذلك الطائر الحر الطلق الذي يطير في السماء ثم إن بدا له يجلس علي شجرة ما يشاء ويغادرها متي يشاء، ولم يزل هكذا ينتقل من شجرة الي شجرة ومن غصن الي غصن فلم يكد يقر قرارا علي شجرةٍ مَّا إلاوقتا غير طويل. وهكذا شان السعادة في حياتي……. ولم أكد أنسى ألم فقد السيد واضح رشيد الحسني، ولم تكد تمر ثلاث سنوت على وفاته حتى أتاه الأجل المحتوم…..وأغرقني في بحرالدموع……وكتب لي لباس الحداد الي الدوام…وبعد أن فقدتُهما نشأ في ميدان الصحافة وساحةالغزوالفكري فراغ هائل لا أجد من يملأه وينوب عنهما.

وقد كان السيد الرابع الحسني الندوي رقيق القلب صافي الفؤاد لين الطبيعة متواصع النفس زاهدا كل الزهد في الدنيا، وراغبا شديد الرغبة عن الشهرة والسمعة، إنه رجل عُرِف بفكره المستنير، وعلمه الغزير، وأسلوبه الحكيم، وحلمه وأناته، وسلوكه وخلقه الحسن، ونصحه للجميع، وإرشاده وتوجيهه لكل من يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه، ومعالجته للقضايا والمشاكل والأوضاع بحكمة بالغة، وموعظة حسنة. انه مثل دورا كبيرا في مجال العلم والدعوة والصحافة، فكان ابرز ميزاته في الكتابة أنه كان يختار أسلوبا متنوعا حسب الضرورة والمقتضيات، ففي المستوي العلمي كان يختار أسلوبا علميا، وفي مجال الدعوة أسلوبا دعويا، وفي مجال الصحافة أسلوبا صحافيا، وفي البيئة الأدبية أسلوبا ادبيا. وكان اكثر معرفة بالمادية واللا دينية، والثقافات الغربية واليونانية وحضارتهما، ومؤامرات اليهود والنصاري، وأوسعَ اطلاعا علي ما كان يحدث في العالم المعاصر وعلى تآمر الأعداء على الإسلام والمسلمين.

وكثيرًا ما كنت أراه وانا في جيبه متفكرا مستغرقا في التفكير، لا لأنه حزين قلق متفكر في أموره الشخصية أو العائلية، وإنما كان ذلك في قضية العالم الإسلامي ومستقبله، وفي حل ما تعاني الأمة المسلمة من القضاياالمعقدة والمصائب المتتالية في مختلف البلاد. فما اكثر ما ينفقون أوقاته الغالية في تفكير عميق متصل في مصالح الأمة دون التفريق بينها لونا وجنسا دينا وعقيدة، وفي حل ناجح تخرج به الأمة من التشتت والتشرذم ومما تتعرض له من الظلم والإضطهاد وشتي الأزمات، وإبادة الجنس والطرد والتشريد من الأوطان.

يا أبناء الندوة، ويا حملة فكر ندوة العلماء! لو أنكم صادقين في دعواكم أنكم أبناؤه الروحانيون البارون، وأنكم محافظون علي ما ترك لكم هذان الشقيقان من الثروة الضخمة القيمة من العلمية والأدبية والصحافية والفكرية، فأوفوا بوعودكم، وشمروا عن ساقكم، وابذلوا جل طاقاتكم في سبيل العلم والأدب، واسلكوا طريقهما واتبعوهما حذوا حذوا فإنهما يصلحان ان يكونا لكم قدوة حسنة وأسوة صالحة، وتتزينوا بمكارم الأخلاق، وتتسلحوا بماكان تسلح به هذان البطلان لمواجهة الأعداء “وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ” (سوة التوبة) ثم أدوا مسؤولياتكم نحو الأمة، فإن الأمة في العصر الحاضر في أمس حاجة الي داع من يقدم لديهم الإسلام الصحيح الطاهر من الشوائب والبدع والخرافات، وإلي الدعوة الصحيحة الخالصة، والي من يكون لهم منارة للهداية يسلكون في ضوئها فوينورون حياتهم، ويبددون بها ظلمات الجهالة القاتمة.

×