قد يكون العمل واحدًا.. ولكن تختلف دوافعه
22 مايو, 2025أمراض المجتمع وعلاجها (10)
22 يونيو, 2025الهند والمسلمون: تاريخ من التضحية وتحديات الواقع
خليل أحمد الحسني الندوي
في قلب جنوب آسيا، تقف الهند شامخة بتاريخها العريق، كأنها قارة في دولة، وموطن تتعانق فيه الحضارات، وتتجاور فيه الأديان والثقافات، إنها بوتقة تنصهر فيها العقائد والمذاهب، دون أن تنصهر الهويات الدينية. وفي هذه الأرض التي طالما تغنت بالتعددية والتسامح، كتب المسلمون صفحات ناصعة من التضحية والنضال، ليس فقط في بناء حضارتها، بل في معارك تحريرها.
حين امتدت أذرع الاستعمار البريطاني إلى شبه القارة الهندية، لم يقف المسلمون موقف المتفرج، بل كانوا من أوائل من تصدوا للاحتلال، وقد اتحدت صفوفهم مع بني أوطانهم من الهندوس في مقاومة الإنجليز الذين دخلوا البلاد تحت عباءة التجارة، قبل أن يفرضوا سيطرتهم عبر شركة الهند الشرقية، ولم تقتصر مشاركة المسلمين على الدعم الشعبي أو العاطفي، بل انطلقت فتاوى العلماء الشرعية التي تحض على الجهاد في سبيل تحرير البلاد، وسرعان ما تحول هؤلاء العلماء إلى قادة في ميادين المقاومة، يقودون المسيرات ويخوضون المعارك.
لقد سُجلت في التاريخ تضحيات لا تحصى، قدمها المسلمون، وكان منهم من عُلّق على أعواد المشانق، ومن قضى نحبه في السجون، ومن فقد ماله وبيته في سبيل الوطن، كان نصيبهم في الثورة أكبر مما يُقال، وأعمق مما يُكتب، لكن التاريخ – كما جرت العادة – لا يُنصف الجميع دائمًا.
مع بزوغ فجر الاستقلال في العام 1947م، كانت الآمال معلقة ببناء وطن يتقاسم فيه الجميع الحرية والعدالة. غير أن الواقع كان مختلفًا؛ فقد بدأت محاولات تهميش دور المسلمين في صناعة الاستقلال، وظهرت اتجاهات قومية متطرفة تسعى لطمس مساهماتهم وإقصائهم من المشهد العام.
ومع ذلك، فإن من الإنصاف القول إن جزءًا من هذا التراجع يعود إلى المسلمين أنفسهم، الذين غفلوا – في بعض المراحل – عن رسالتهم الحضارية، وتورط بعضهم في صراعات داخلية أفقدتهم وحدتهم وقوتهم الأخلاقية.
من أراد أن يفهم سبب تراجع مكانة المسلمين في الهند اليوم، فعليه أن يعود إلى جذور التاريخ الإسلامي، فقد كانت عزتهم دائمًا مرتبطة بتمسكهم بدينهم، وبهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبإيمانهم العميق بأن مكارم الأخلاق والسلوك الحسن مع الناس من كل ديانة وجنس، هي أنفع السبل لكسب القلوب، والقيادة والريادة.
وقد وعد الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز “الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور:55). وهذا الوعد الإلهي ليس حكرًا على زمن دون آخر، بل هو سنة ماضية، تتحقق في كل زمان حين تتوافر شروطها.
لا يحتاج المسلمون اليوم إلى سلاح أكثر من حاجتهم إلى تغيير أنفسهم، والعودة الصادقة إلى دينهم، والتعامل مع محيطهم بتسامح ونُصح وخلق رفيع. عليهم أن يُشعروا غيرهم بأنهم شركاء في هذا الوطن، وأنهم دعاة خير وإصلاح، لا خصومة وصراع.
إنّ إنشاء صورة إيجابية عن المسلمين في الوجدان الهندي لا يكون بالشعارات، بل بالمواقف، ولا يتحقق بالتنظير، بل بالمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع، كما أن الحكومة مسئولة عن توفير جو الأمن والسلام، والتسامح والمحبة، والاحترام المتبادل بين أتباع سائر الديانات في البلد، بدل الكراهية والعداء والانتقام.