نبوة صادقة تتحقق اليوم
22 May, 2025الشعور بالمسئولية ميزة الحياة الإسلامية
22 June, 2025مسئولية المسلم عن إيجاد التوازن في الحياة
(سعيد الأعظمي الندوي)
يعلم الجميع أن الله سبحانه وتعالى أودع في كل شيء خلقه لمصلحة الإنسان، وعمارة الحياة الدنيا، جانبين متضادين، وناحيتين متعارضتين، ذلك لكي تتبين مصداقية الحياة الإنسانية في هذا الكون، فمثلا الخير والشر، والسعادة والشقاء، والدنيا والآخرة، فمن آثر الدنيا وحدها، والشر وحده، ورضي بالشقاء وحده، فكأنه لم يوفق إلى إسعاد الحياة، وتنقية الروح، وتحلية القلب، لأنه ركز كل طاقاته على الجانب السلبي، كما كان في المجتمعات البشرية قديمًا، وكما يوجد اليوم في المجتمعات المادية الحديثة، ومعلوم أن الشر مصدره الكفر والنفاق، والرذائل بجميع ألوانها وأنواعها.
أما الخير فهو ينبع من الإيمان بالله، وبعقيدة التوحيد والرسالة السماوية، وقد شهد التاريخ الإنساني هذا النوذج العالي في تاريخ الأمة الإسلامية التي أخرجها الله تبارك وتعالى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تميزت الأمة بهذا الجمع المتزن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك سميت أمة وسطاً تقوم بأداء مسئولية الشهادة على الناس وتشق لهم طريق الوسطية في جميع الشئون والآداب، والفضائل والعبادات، وتجاوزت حدود التركيز على المصالح الشخصية، وانتهاز الفرص لنفسها، أو لطبقة محدودة، تنتمي إلى الشخصية الإسلامية، وتؤثر نفعها على الآخرين، بل بتعبير آخر تفرض ذاتها على الذين لا تعتبرهم من من أعضاء أسرتها، وبذلك يختل الاتزان، وتنال عصبيات اللون والجنس واللغة والوطن قوة ونماء، وهي قد لا تشعر بذلك في مجريات الأمور، ورحمة الأعمال والواجبات.
إن الله سبحانه وتعالى لما خلق هذين الجانبين المتعارضين في الحياة الدنيا، دل ذلك على عملية الجمع بينهما، وعلى عملية الجمع المتزن بين الخير والشر، والانتهاء عن المنكر وتزييفه والتوقي منه بكل طريق ممكن، حتى يكون الطريق ممهدًا للانتفاع الكامل من حسنة الدنيا والاحتظاء من حسنة الآخرة، وذلك هو الطريق السليم لتوفير السعادة في الحياة الدنيا، وهي تؤدي إلى منافع الآخرة، وبذلك يتحقق ما أراده الله تبارك وتعالى من هذه الدنيا أن تكون قنطرة إلى الآخرة. يعبر بها الناس من عالم العمل إلى عالم الجزاء، فإما إلى جنات ونعيم، يتطلع إليهما كل من عاش حياة الطاعة والانقياد والنوايا الطيبة، وإما إلى نقمة وجحيم، يثاب بهما من لم يحظ بنعمة الإيمان والامتثال، ولم يخطر على باله أن هناك حياة أخرى سرمدية، وشغل فقط بما يشبع معدته بألوان من الأطعمة والأشربة، ورفض أن يؤمن بالحياة الآخرة التي هي الحياة الواقعية، وظل منهمكا في بحبوحة العيش، ونهب اللذات، ناسيًا مصيره المحتوم “فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى”.
نرى أن الله سبحانه وتعالى حيثما يذكر في كتابه المبين أهل الشرك والعصيان، ويشير إلى جزائهم السيء، يتبع ذلك ذكر أصحاب الإيمان واليقين وما ينالونه من جوائز الرب تبارك وتعالى، مما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على بال، أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس، هم فيها خالدون.
نحن في عصرنا هذا لا نصدر الأمور من مصادرها الطبيعية، ولا نعيش حياة التوازن بين الجانبين المتناقضين، ولكن تتجاذبنا الأهواء، وتحيد بنا عن الطريق الذي سلكه عباد الله المخلصون، وذلك هو الطريق المسلوك الذي يفوتنا اليوم في كثير من نشاطاتنا وإنجازاتنا التي تشغلنا عن التفكير في الجمع المتزن بين الدين والدنيا، ولا نبالي بما إذا طغى جانب على جانب آخر.
ليس هذا مما يختص بطبقة دون طبقة، وبجماعة دون جماعة، بل إنما هو اللون السائد العام في مجتمعاتنا التي تدعى بمجتمعات إسلامية، وقد تعتبر مثالاً عملياً صادقاً لحقيقة الإسلام وواقعيته.
فهل إن موقفنا من إسلامية الحياة صحيح يا ترى؟! أم بعيد عن اجتماعية الإسلام، ولا يصح أن يطلق عليه أنه مثال صادق لحياة المسلم.