أعظم معركة في حياة الإنسان
22 May, 2025العظمة لا تنال إلا بالابتلاء
22 June, 2025بين الشجاعة والتهوّر
(محمد خالد الباندوي الندوي)
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثيرًا ما نخلط – أيها الأخ – بين الشجاعة والاندفاع، أو بين الجرأة والتسرع، أو بين الإقدام والتهور، فكثيرًا ما نطلق كلمة الشجاعة على التهور والاندفاع وإنما الشجاعة الحقيقية – أيها الأخ – لها مواقف محددة تنحصر فيها، ومعالم ثابتة لاتعرف إلاّ بها، وليست الشجاعة من الغوغاء والصخب في شيء، وليس معناها الصاخ والعويل والتحدي والتهور، بل الشجاعة أن تثبت على الحق حين يجب الثبات، أو تقدم حين كان الإقدام حسنا ويقتضيه المقام، وأن تقول كلمة الصدق في وجه الخوف، وأن تواجه الخطر بعقل مدبر وقلب مطمئن.
الشجاعة لا تظهر – يا أخي – في ساحة المعركة فقط، بل تظهر في ساحات أخرى غير ساحة القتال، فتارة تظهر في ساحة المدرسة، وتارة في فناء الدار، وتارة في التعامل مع الأصدقاء، إن الشجاعة الحقيقية ربما تتجلى حين تكون وحدك مأمونًا من الأعداء، وتعمل حين تكون محاطا بالعافية، وربما تطلب منك مواقف لا يقوى عليها الجُبَناء.
وقد أحسن من قال:
“الشجاعة هي الصبر والثبات والإقدام على إنجاز الأمور الإيجابية أو دفع الأمور السلبية، وهي تكون في الأقوال والأفعال، وهي أيضا الصبر وقدرة التغلب على رهبة المواقف. والشجاعة ليست لها صلة بقوة البدن أو اللسان، بل أصلها يكون في القلب، فعند ثبات القلب وصبره وسكونه وشدته على المخاوف تتولد الشجاعة. ويكمن الفرق بين الشجاعة والتهور هو أن الشجاعة هي من القلب، بينما التهور هو إقدام سببه اللامبالاة وعدم النظر في العاقبة والاندفاع بدون تفكير ولا حكمة. الشجاع يعرف ويدرك حجم الخطر الذي يواجهه ويقدم عليه، أما المتهور فهو غير واع لما قد يترتب على أفعاله”.
وسأقص عليك اليوم قصة فتى مسلم، ضرب بها العلماء والمربون المثل في الشجاعة.
زعموا أنه كان – في ظل الاحتلال البريطاني للهند–فتى شجاع عرف –فيما بعد–بشهامته وغيرته للحق ونضاله السياسي،ألا وهو محمد على الجوهر،كان من طلبة جامعة “عليكره الإسلامية”،فألقي عليه القبض –يوما– بتهمة المشاركة في تظاهرات طلابية سلمية تطالب برفع الظلم. ولما مثل محمد علي جوهر بين يدي القاضي البريطاني، وقرأ بعضهم التهم الموجهة إليه، ثم سأله القاضي: هل تعترف بالمشاركة؟ قال محمد علي جوهر بثقة: نعم، شاركت. فقال القاضي: أما كنت تعلم أن هذا ممنوع؟ فقال: أعلم، لكني تعلمت أن السكوت عن الظلم أعظم جرم من الكلام ضده. فقال القاضي: فهل كنتَ تعلم العقوبة؟ قال: أعلم، ولكني لا أهابها، لأنني وقفت مع الحق، وأنا على يقين أن الله لن يضيعني. ثم حُكم عليه بالسجن عدة شهور، لكنه خرج بعد مدة بكرامته مرفوع الرأس، وكان ذلك الموقف سببًا في احترام الناس له،حتى اختير لاحقًا مسؤولاً في لجان الإصلاح الاجتماعي، وأصبح رمزًا بين الشباب.
فعرفنا من هذه القصة –أيها الأخ – أن الشجاعة ليست في الأجساد، بل في القلوب والعقول، هي شجاعة الثبات على المبدأ، والإقدام على التضحية حين يتراجع الآخرون.
كن – يا اخي – شجاعًا بالحق، ثابتًا على المبدأ، ولا تكن من الذين يتراجعون في لحظة الحاجة. واذكر دائمًا أن الشجاعة لا تعني العنف، بل تعني الصبر والثبات ورباطة الجأش في وجه الباطل.