أيام في الربوع العربية (2)

أيام في الربوع العربية (1)
18 مايو, 2024
أيام في الربوع العربية (3)
23 يونيو, 2024

أيام في الربوع العربية (2)

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي الحسني الندوي

بدأ الوفد جولته في لبنان من اليوم التالي ليوم وصوله إلى بيروت، وكان أول برامجه في بيروت هي زيارته لسماحة المفتي في مقر عمله مكتب دار الفتوى، وشكر الوفد له اهتمامه بأمر الوفد واستضافته له، وتحدث سماحة المفتي عن شؤون الإسلام والمسلمين في لبنان، وشرح مهام دار الفتوى في هذه البلاد وأهمية خدماتها للمسلمين، وخطورة الوضع الذي يعيش فيه المسلمون، والمسئولية الإسلامية الكبيرة التي تقع على أكتاف العاملين في الحقول الإسلامية في هذه البلاد، وشكى نقص التعاون اللازم من الرابطة لدار الفتوى في لبنان وللمؤسسات التي تشرف عليها مؤسسة دار الفتوى، وأكد على ضرورة استلفات نظر الرابطة إلى هذا الجانب، وأشار على الوفد بزيارة المؤسسات الإسلامية التابعة لدار الفتوى وبالاطلاع على أوجه النشاطات الإسلامية في مدن لبنان الأخرى، وحبّذ الوفد باقتراحه وزار عقب اجتماعه بسماحة المفتي ثلاث مؤسسات إسلامية في بيروت وهي دار رعاية اليتيم، ومعهد أزهر لبنان، وجمعية المقاصد الإسلامية (المستشفى الإسلامي) وسُرّ أعضاء الوفد بالاطلاع على دار رعاية اليتيم، وعلى نشاطها التربوي المفيد، وأعجب بحسن التنظيم فيها ورعاية جميع الأسباب التي لها أثر عظيم في تنشئة الشباب الإسلامي على العلم والصناعة، وذلك على أحدث الطرق والأنظمة، وهي دار أهلية تعتمد على التبرعات والاكتتابات الإسلامية العامة والخاصة، ومديرها الحالي هو الأستاذ محمد بركات وهو رجل مثقف نشيط متحمس للإسلام ولقضاياه، فقد تحدث إلينا طويلاً في الوضع الذي يقاسيه المسلمون في لبنان بوجه خاص.

وزار الوفد معهد أزهر لبنان واجتمع بمديرها الأستاذ الشيخ خليل الذي شرح للوفد أهمية هذا المعهد ومكانته في لبنان، فقد سمى بأزهر لبنان لأهميته وقيمته من بين المعاهد الإسلامية الأخرى في لبنان، وذكر أنه درس فيه عدد من خيرة رجالات الإسلام في لبنان، ومنهم سماحة الشيخ حسن خالد وفضيلة المدير نفسه وعدد آخر، وزار الوفد المستشفى الإسلامي التابع لجمعية المقاصد الإسلامية الواقعة في محلة الإمام الأوزاعي، وأعجب بنشاطه الاجتماعي المفيد وخدماته الصحية النظيمة في نطاقه الخاص في بيروت فإنه على أحدث طرار، وراق إلى درجة كبيرة، وقد رافق الوفد في هذه الزيارات سعادة الأستاذ حسين القوتلي المدير العام لدار الفتوى وهو الساعد الأيمن لسماحة المفتي في جهوده وأعماله الإسلامية كلها، ولقد وجد الوفد منه كل رحابة ومحبة واستمتع بأخلاقه ومساعدته الغالية وخاصة في تنظيم الزيارات والاجتماعات المفيدة في لبنان، فقد تقررت وتهيأت بالمساعدة والمشورة الغالية التي منحها الأستاذ القوتلي مشكورًا، وتقرر من برنامج الوفد للأيام المقبلة في لبنان أن يقوم بزيارة لمدينة طرابلس في شمال لبنان وبزيارة أخرى لمدينة صدا في جنوب لبنان، وأن يخصص للبرامج المحلية والزيارات الخاصة بمدينة بيروت اليوم الرابع، وقد تقرر السفر من بيروت إلى دمشق في اليوم الخامس وهو يوم الجمعة 3/8/1973م.

وعلى ذلك سار الوفد، وقام بزيارة طرابلس في اليوم التالي، وتبعد طرابلس من بيروت كيلومترا ويمر الطريق إليها على ضفة الساحل اللبناني بين البحر الأبيض المتوسط وبين جبال جميلة خضراء تبنئ عن جمال هذه المنطقة وحسن منظرها وخصوبتها. فهذه هي لبنان تغني بها شعراء المهجر وشعراء الشام وحنوا إليها، أما طرابلس فهي مدينة لا يزال المسلمون في الشام يعدونها من مدنهم ويرون أنها أنتزعت منهم انتزاعًا غير شرعي، فإن ثقافتها وطبيعة الحياة في أبنائها، والوطنية التي يزعمونها لأنفسهم كلها تنبئ بأنها مدينة شامية بل إن لبنان كلها كانت منطقة شامية فصلت عن الجسد الشامي فيما بعد بالأيدي الاستعمارية المسيحية، ولأهداف استعمارية مشبوهة، ولا تزال السياسة السائدة فيها تنطوي على نفس الأهداف، ويجني مسلمو هذه المنطقة منها أشواكًا بحيث لا يخدم الوضع السياسي المسلط فيه إلا المصالح المسيحية ومصالح الاستعمار الغربي المسيحي.

وعلى كل، فقد وصلنا إلى طرابلس قبل الظهيرة واجتمعنا هناك بعلماء هذه المدينة وزرنا شخصياتها الكبيرة ومؤسساتها الإسلامية فقد اجتمعنا بأصحاب الفضيلة الشيخ طه الصابونجي وصاحب الفضيلة الشيخ رشيد الميقاتي، والأستاذ محمد علي ضناوي، والشيخ ناصر صالح وصاحب السعادة الأستاذ عدنان الجسر المدير العام للمستشفى الإسلامي، وزرنا جمعية مكارم الأخلاق، والمستشفى الإسلامي ودار الأيتام، وأعجبنا بالعمل العظيم الذي يؤديه المسلمون هناك وخاصة عن طريق هذا المستشفى، فإنها مبرة إسلامية كبيرة وعمل جليل يستحق أصحابه عليه كل تقدير ومساعدة فإن حسن تنظيمها ومستواها الرفيع وسعتها لسد الحاجات الاستشفائية في هذه المنطقة الشمالية، كلها تبعث على التقدير والرضا، وفإن هذه المنطقة الشمالية الواسعة المأهولة بعدد كبير من المسلمين وكان وضعهم الاقتصادي والاستشفائي في حاجة إلى مثل هذه المؤسسة الاجتماعية الكبيرة فشكر الله صنع رجالها، ووجدنا في طرابلس ثلة مؤمنة كريمة من علمائها وأهل الغيرة الإسلامية من أبنائها من المرتبطين بدار الفتوى الإسلامية الشرعية ومن غيرهم ممن يعملون للإسلام عن طريق مؤسسات إسلامية عديدة مثل جمعية مكارم الأخلاق والجماعة الإسلامية ودار الأيتام.

وتوجهنا بعد ذلك إلى مصيف سير الذي يبعد من طرابلس بنحو ثلاثين كيلا لزيارة فضيلة الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس ولبنان الشمالي وهو عالم كبير وشيخ مسن، من كبار علماء لبنان، وله كتابات وتآليف علمية قديمة، ومن أشهر مؤلفاته قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، فلقد أحرز من قرائه تقديرًا عظيمًا وهو يعد من أنفس الكتب في موضوعها، يقع بلد سير على مصيف جبلى جميل تنتشر بيوته ومساكنه على قمم الهضاب وسفوحها بكل أناقة وجمال وترتفع من بينها مآذن شاخصة إلى كبد السماء كالرماح المنتصبة، في الفضاء، وهي تشير إلى منظر العمران الإسلامي البهيج، الذي يظهر جليا من سفوح هضاب سير ومن أفنائه، يا له من جمال أرض وهبة الله للبنان وما جاوره من بلاد. (يتبع)

×